والوجه في قوله - تعالى - "فأَقِمْ وجهك" إما أن يراد به معناه المعروف، وإما أن يراد به الذات كلها، وسواءٌ أكان المراد به هذا أم ذاك فالآية تمثيل لوجوب الإقبال على دين الإِسلام والاستقامة والثبات عليه والاهتمام به، ولذلك عقبه بقوله: ﴿حَنِيفًا﴾ أي: مائلا عن الأديان كلها متجها إليه ومقبلا عليه، أو دِينَ إبراهيم الحنيف - عليه السلام - يعني أن التوحيد هو دين إبراهيم الحنيف.
وهذا الدين الإسلامي الذي أمرنا الله بالاستقامة عليه، هو فطرة الله وخلقته التي فطر الناس وخلقهم عليها، أخرج الإِمام البخاري بسنده عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - ﷺ -: "ما من مولود يولد إلا على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يُمَجِّسانه كما تُنْتَجُ البهيمة بهيمة جمعاءَ (١)، هل تجدون فيها من جدعاء (٢)؟ " ثم يقول أبو هريرة: ﴿فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾ (٣).
وأخرج ابن مردويه بسنده عن حماد بن عمر الصفار قال: سألت قتادة عن قوله - تعالى -: ﴿فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾ فقال: حدثني أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - ﷺ -: "فطرة الله التي فطر الناس عليها: دين الله تعالى" وبهذا التفسير فسرها السلف.
ومن العلماء من فسر الفطرة بأنها قابلية الحق والتهيؤ لإدراكه، فالناس جميعًا مفطورون ومخلوقون مستعدين لقبوله، لا يمنعهم عنه إلا المبطلون من شياطين الإنس والجن، والتفسيران متقاربان، والفطرة في كليهما: اسم هيئة من الفطر، بمعنى الخلق والاختراع.
وأما قوله - سبحانه -: ﴿لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾ فهو خبر مراد منه النهي، أي: لا تبدلوا دين الله وخلقته التي خلق الناس عليها بالإصغاء إلى دعاة الباطل من شياطين الإنس أو الجن.
(٢) مقطوعة الأطراف أو بعضها.
(٣) البخاري في تفسير سورة الروم.