على ما في كتاب الله فالتماس خلافها كذب واختلاق، فقال عمر - رضي الله عنه -: لَسَمَاعى هذا الكلام أحبُّ إلي مما طلعت عليه الشمس.
وقيل: أن نبى الله داود خطب على خِطْبة أخيه فآثره أولياءُ المرأة على الآخر، وكان ذلك جائزا في شرعه، وهذا أيضًا غير لانق بإنسان صاحب مروءَة فما بالك بالأنبياء صلى الله عليهم وسلم -؟.
وقيل: إن داود - عليه السلام - احتجب عن رعيته متبتلا منقطعا لعبادة ربه فعوتب في ذلك لأنه ترك أمر رعيته دون القيام على شأْنهم.
قال الإِمام ابن عباس - رضي الله عنهما -: إن داود - عليه السلام - جزأ زمانه أربعة أجزاء: يومًا للعبادة، ويومًا للقضاء، ويومًا للاشتغال بخواص أموره، ويومًا يجمع فيه بني إسرائيل فيعظهم ويبكيهم، ففاجئوه في غير يوم القضاء ففزع منهم لأنهم نزلوا عليه من فوق، وفي يوم الاحتجاب والحرس حوله لا يتركون من يدخل عليه.
وقيل: إن داود - عليه السلام - تعجل ورمى بالظلم ذلك الذي سأل نعجة أخيه إلى نعاجه دون تثبت أو شهادة شهود، ودون أن يسمع قول المدعى عليه.
ولعل هذا القائل يؤكد رأيه في الآية بقوله - تعالى - عقبها وصية لداود - عليه السلام -: ﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾.
ونحن نرى صحة هذا الرأى. والله أعلم.
وقد التزم المحققون من أئمتنا أن الأنبياء - عليه الصلاة والسلام - داود وغيره منزهون عن الوقوع في صغائر الذنوب مبرأون من ذلك، والتمسوا المحامل الصحيحة لأمثال هذه القصة، كالذى قيل في الرأى الأخير أو الذي قبله.
وهذا هو الحق الأبلج والسبيل المستقيم.. وما ذهب إليه هؤلاء المحققون من الأئمة - رضي الله عنهم - هو ما تطمئن إليه القلوب وتنشرح له الصدور، لأن أقصى ما يتصور حدوثه من الأنبياء هو أن يفعلوا خلاف الأولى بمقامهم - عليهم الصلاة والسلام.