التفسير
٣٤ - ﴿وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ... ﴾ الآية:
خير ما ورد في تفسير هذه القصة ما قاله رسولنا محمد - ﷺ - حيث قال: "قال سليمان: لأطوفن الليلة على سبعين امرأة كل واحدة تأْتي بفارس يجاهد في سبيل الله، ولم يقل: إن شاء الله، فطاف عليهن فلم يحمل إلا امرأة جاءت بشقِّ رجل، والذي نفس محمَّد بيده لوقال: إن شاءَ الله لجاهدوا في سبيل الله فرسانا أجمعون" فكانت هذه فتنة سليمان إذ أنه لم يقل: إن شاء الله. وهذا هو الصحيح الذي جاء به الصادق المصدوق - عليه الصلاة والسلام -: أخرجه البخاري وغيره عن أبي هريرة.
أما ما ورد من أنه ولد له ابن فقالت الجن والشياطين: أن عاش له ولد لنلقين منه ما لقينا من أبيه من البلاء، فأشفق سليمان - عليه السلام - منهم، فجعل ابنه وظئره (حاضنته) في السحاب من حيث لا يعلمون فلم يشعر إلا وقد ألقى هذا الابن علي كرسيه ميتا، تنبيها إلى أن الحذر لا ينجى من القدر، وعوقب على ترك التوكل على الله، فهذا خبر غير موثوق به ولا تطمئن إليه النفس؛ لأن تسخير الريح كان بعد الفتنة.
﴿وَأَلْقَيْنَا عَلَى كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ﴾:
أي: وقدم هذا الشق إلى سليمان وطرح على كرسيه فألقى الله في روعه وقذف في قلبه أنه قد فتن وامتحن وابتلى ووقف على سبب ذلك فكان أن أناب إلى الله ورجع إلى ربه تائبا مستغفرا عن هذه الزلة التي فرطت منه، وهي أنه قد نسى أن يتجه إلى ربه في منحه تلك الذرية التي تعينه على الجهاد في سبيل الله "بأن يقول: إن شاء الله".
وجاء العطف (بثم) في قوله - تعالى -: ﴿ثُمَّ أَنَابَ﴾ التي تدل على التراخي والبعد لأنه لم يقع الاستغفار عقب حدوث الزلة، فإن سليمان - عليه السلام - لم يعلم الداعى إلى الاستغفار والإنابة عقب ما وقع منه من ترك قوله: إن شاء الله إلا بعد أن وضعت له إحدى نسائه شق رجل، وكان بين طوافه على نسائه وتركه ذكر المشيئة وبين إلقاء الشق على كرسيه زمن طويل، فناسب أن يعطف بثم، وهذا بخلاف قصة - داود عليه السلام -