دعائه فجاء قوله - تعالى -: ﴿فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ﴾ بالفاء التي تدل على الترتيب والتعقيب، أي أن الله - تعالى - ذلل ويسر له الريح فور دعائه تطيع أمره ولا تتأبى عليه فتسير وتجرى بأمره حيث يريد ويقصد سيرا لينا لا اضطراب فيه ولا اهتزاز وذلك مع شدة سرعتها، وعصفها في جريها، ففد جمع الله له فيها بين اللين وسرعة الجرح، وهما لا يجتمعان غالبا؛ لأن السير الشديد يكون معه الاضطراب والتزعزع عادة.
٣٧، ٣٨ - ﴿وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ * وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ﴾:
وسخر الله له الشياطين وهم مردة الجن وعتاتهم سخر له بعضهم في أعماله، فبنوا له ما شاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات، وسخر له بعضا آخر يغوص في البحار يجلبون له ما استتر فيها من كريم ما تحتويه من اللؤلؤ والمرجان، وسلطه الله على من يرى أنه مدمِّر ومؤذ فقرن وجمع بعضهم ببعض في أصفاد وقيود، أو أحكم قيد كل واحد منهم على حدة اتقاءَ شرهم ومنعا لضررهم.
٣٩ - ﴿هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾:
وقال له ربه - عقب تسخير الشياطين له تفضلا عليه -: هذا عطاؤنا ومنحتنا إليك أطلقنا فيه يديك، فامنح من شئت وامنع من أردت، فلا نسألك عن ذلك ولا نحاسبك عليه، أنت في خيار من أمر هؤلاء الشياطين فأمسك من شئت في خدمتك، وقيد من أردت من المردة في أصفادك، وأطلق سراح من تحب، فلا عتاب ولا تثريب عليك، يقول الله ذلك وهو يعلم حسن تصرفه فيما فوضه إليه.
٤٠ - ﴿وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ﴾:
أي: وإن لسليمان عندنا لقربى، وكرامة عظيمة مع ما أنعمنا به عليه من الملك العظيم، وله حسن مرجع ومأوى في الجنة، فله عز الدنيا وسعادة الآخرة؛ لاستحقاقه ذلك عند ربه.


الصفحة التالية
Icon