٤٣ - ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾:
وبعد أن اكتملت له العافية من الله عليه وهب له ما كان قد تفرق عنه من ولده، وبارك له فيهم فضاعفهم له وأعطاه كثير المال وجليل الخير، وكل ذلك كان من رحمة الله وفضله عليه إذ سلط الله عليه البلاء فصبر، ثم أزال عنه ما نزل به ووصله بالآلاء والنعماء، وذلك تنبيها لذوى العقول الرشيدة والبصائر النافذة والقلوب السليمة على أن من صبر ظفر ونال الجزاء الحسن.
٤٤ - ﴿وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾:
أبطأت امرأة أيوب - عليه السلام - وهو في مسيس الحاجة إليها، فقد أنهكته العلة وقعد به المرض وألح عليه الشيطان في نفسه وتابعيه، فأَقسم إن شفاه الله وأبرأه ليضربنَّها مائة جلدة، وكان البرْءُ والشفاء والمنة العظيمة بالعافية والرضا من ربه، فكيف يضربها وهي التي رافقته في رحلة مرضه وقاست ما قاست من حزنها عليه، واعتصار قلبها لما كان يكابده من العلة وعانت من تفرق الولد والأهل وذهاب المال، وأيوب - عليه السلام - يعرف لها ما قامت به نحوه وما عانت من أجله، ولهذا كان يود ويرجو مخرجا من هذه اليمين التي التزم أمام ربه أن يبر ولا يحنث فيها، فكان أن جعل الله له مخرجا منه يرضى ربه ولا يضر زوجه، فقال له: ﴿وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ﴾ أمره - جل جلاله - أن يتحلل من قسمه بأهون شيءٍ عليه وعليها، وذلك بأن يعمد إلى حزمة من حشيش أو ريحان أو نحوهما تضم مائة عود فيضربها بها ضربة واحدة، ويكون بذلك قد وفى بقسمه ولم يؤْذ زوجه الوفية له في مرضه.
﴿إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ﴾: