أي: الزموا فطرة الله عائدين إليه مقبلين عليه بالتوبة النصوح التي تطهِّر قلوبكم، وتزكى نفوسكم. أو مرتبط بقوله: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا﴾ أي: فأقيموا وجوهكم، واستمروا على الدين الذي شرعه الله لكم منيبين إليه، وإنما جمع مع أن الخطاب في: ﴿فَأَقِمْ وَجْهَكَ﴾ لمفرد وهو النبي؛ لأن خطابه خطاب لأمته، وقال الفراءُ: فأقم وجهك ومن اتبعك منيبين فهو كقوله: ﴿فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ﴾ (١)، ﴿وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ أي: خافوه وامتثلوا ما أمركم به واتركوا ما نهاكم عنه، وأدوا الصلاة بشروطها وفي أوقاتها ولا تكونوا من المشركين، بل من الموحدين المخلصين له العبادة، لا تريدون بها سواه؛ لأنها لا تنفع إلاَّ مع الإخلاص له وحده - سبحانه -.
٣٢ - ﴿مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾:
أي: ولا تكونوا من المشركين، من الذين فرقوا دينهم (٢)، وتفريقهم لدينهم: اختلافهم فيما يعبدونه وفق اختلاف أهوائهم.
﴿وَكَانُوا شِيَعًا﴾: أي فِرقًا، كل فرقة تشايع إمامها الذي مهَّد لها دينها ووضع أُصوله، فأَصبحوا بذلك نِحَلًا وأديانًا مختلفة، وهؤلاء كاليهود والنصارى والمجوس، وعبدة الأَوثان وسائر أهل الأديان الباطلة التي قبلنا، اختلفوا على أديان وملل باطلة.
﴿كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ﴾: أي كل فريق منهم بما عندهم من الدين المعوج المؤسس على الباطل مسرورون، وبه معجبون، يظنون أنهم على الحق الذي جهلوه، وكان عليهم أن يبحثوا عنه ويتبعوه، فالجملة ذكرت تقريرًا لمضمون ما قبلها من تفريق دينهم وكونهم شيعًا.
(٢) قوله: من الذين فرقوا دينهم بدل من المشركين بإعادة الحرف، وفائدة الإبدال: التحذير من الانتماء إلى حزب من الأحزاب ببيان أن الكل على الضلال.