ثم يقال لهم: لو كان الأمر كما زعمتم في الآية لوجب عليكم اعتقاد أن آدم جزء من روح الله، حيث جاء فيه هنا: ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾. ووجب أن لا تقصروا بنوة الله على عيسى وحده، تعالى الله عمَّا يقولون علوًّا كبيرًا.
واعلم أن كل شيء في هذا الكون مضاف إلى الله، فالسماء سماء الله والأرض أرض الله، وروح الإنسان روح الله، أي: مملوكة له، وداخلة تحت أمره، فمتى يعقل هؤلاء الكافرون؟.
ومعنى هذه الآيات إجمالًا مع ما قبلها: ما كان لي من علم بالملأ الأعلى إذ يختصمون في شأن آدم، إذ قال ربك - أيها الرسول - للملائكة: إني خالق بشرًا من طين، فإذا عدلت خلقته وصورته، وأحييته بخلق الروح فيه فخروا له ساجدين تحية وتبجيلًا وامتثالًا لأمر الله - تعالى -.
فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلاَّ إبليس تعاظم وصار من الكافرين، باستنكاره أمْر الله - تعالى - واستكباره على المطاوعة.
قد يقول قائل: إن الأمر بالسجود لآدم كان موجهًا إلى الملائكة، فكيف يعاقب إبليس على عدم السجود له وهو غير مأمور به؟.
والجواب من وجهين:
أحدهما: أنه كان موجودًا بين الملائكة وليس منهم فإذا كان أشرف منه قد أُمر بالسجود لآدم فإن عليه أن يسجد له مثلهم من باب أولى.
وثانيهما: أن من ينزل على قوم فلابد أن يخضع لتكاليفهم وقوانينهم، وإلَّا فإنه يستحق الطرد؛ لأنه مستوطن غير صالح للاستيطان.