من عبد غير الله - تعالى - فهو يعبد الطاغوت، أي: الشيطان؛ لأن عبادة غير الله عبادة له فهو الآمر بها، والداعى إليها.
والمعنى: والذين باعدوا أنفسهم، ونزهوها عن عبادة الطاغوت البالغ الغاية في الطغيان.
﴿وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ﴾ أي: أقبلوا إليه إقبالا كليا معرضين عما سواه ﴿لَهُمُ الْبُشْرَى﴾ بالثواب، وحسن العاقبة عند حضور الموت، وحين يحشرون ﴿فَبَشِّرْ عِبَادِ﴾ أي: فبشر - أيها الرسول - عبادي الذين هم أهل للبشرى بالثواب، وهم المعنيون بقوله - سبحانه -:
١٨ - ﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾:
أي: هم الموصوفون باجتناب الطاغوت والإنابة إلى الله بأعيانهم. على أن مدار اتصافهم بالوصفين الجليلين كونهم نُقَّادًا في الدين يميزون بين الحسن والأحسن، والفاضل والأفضل، فهذا اعترضهم أمران حرصوا على ما هو أقرب عند الله وأكثر ثوابا.
وقيل: هم الذين يستمعون أوامر الله فيتبعون أحسنها نحو القصاص والعفو والانتصار والإغضاء. والإبداء والإخفاء لقوله تعالى: ﴿وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ (١) ﴿وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ﴾ (٢).
وقيل: يستمعون القرآن وغيره فيتبعون القرآن، إلى غير ذلك مما قيل في: القرطبي وغيره.
﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ﴾ لدينه ولما يرضاه، والإشارة إليهم باعتبار اتصافهم بما ذكر من النعوت الجليلة ﴿وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ أي: وهؤلاء هم أصحاب العقول السليمة عن منازعة الهوى، ومعارضة الوهم لا غيرهم. وفيه دلالة على أن الهداية تحصل بفعل الله، وقبول النفس لها.
(٢) سورة البقرة من الآية: ٢٧١.