متشاحنين يتجاذبونه ويتعاورونه لا يلقاه رجل منهم إلاَّ جرَّه واستخدمه، فهو يلقى منهم العناء والنصب والتعب العظيم، وهو مع ذلك كله لا يُرضى واحدًا منهم بخدمته، ولا يدري على أيهم يعتمد في حاجاته ولا أيهم يرضي بخدمته، فهمُّه شعاع، وقلبه أوزاع.
وضرب لمن يعبد الله وحده مثلا رجلا خالصا لفرد واحد، وليس لغيره سبيل عليه، وذلك الفرد يَعُولُهُ ويعرف له صدق بلائه، فهو في راحة من الحيرة وتوزع القلب.
﴿هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا﴾ أي: هل تستوي صفتاهما وحالاهما، وهو إنكار واستبعاد لاستوائهما، ونفي له على أبعد وجه وآكده. وإيذان بأن ذلك من الجلاء والظهور بحيث لا يقدر أحد أن يتفوه باستوائهما، أو يتلعثم في الحكم بتباينهما، كذلك لا يستوي المشرك الذي يعبد مع الله آلهة، والمؤمن الذي لا يعبد إلا الله وحده لا شريك له.
والسر في إبهام الفاضل والمفضول الإشارة إلى كمال الظهور عند من له أدنى شعور.
﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾: تقرير لما قبله من نفي الاستواء بين المثلين، وتنبيه للموحدين على أن ما لهم من المزية بتوفيق الله - تعالى - وأنها نعمة جليلة تقتضي الدوام على حمده وعبادته أو الحمد لله على إقامة الحجة عليهم.
﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾: إضراب وانتقال من بيان عدم الاستواء على الوجة المذكور إلى بيان أن أكثر الناس وهم المشركون لا يعلمون ذلك مع كمال ظهوره فيقعون في ورطة الشرك والضلال.


الصفحة التالية
Icon