أخذته كما هو بجملته وموضوعه تصوير عظمته لا غير، وكذلك حكم ما يروي مثل ذلك من الأحاديث.. ثم قال: والخلاصة هي الدلالة على القوة الباهرة: وأن الأفعال العظام التي تتحير فيها الأفهام والأذهان ولا تكنهها الأوهام هيئة عليه هوانًا لا يوصل السامع إلى - الوقوف عليه إلَّا إجراء العبادة في مثل هذه الطريقة من التخييل والتمثيل، ولا ترى بابًا في علم البيان أدق ولا أرق ولا ألطف من هذا الباب ولا أنفع وأعون على تعاطى تأويل المشتبهات من كلام الله - تعالى - في القرآن وسائر الكتب السماوية وكلام الأنبياء: ﴿وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ﴾ المراد بالأرض: الأرضون السبع يشهد لذلك شاهدان قوله: ﴿جَمِيعًا﴾، وقوله: ﴿وَالسَّمَاوَاتُ﴾، ولأن الموضع موضع تفخيم وتعظيم فهو مقتض للمبالغة.
﴿قَبْضَتُهُ﴾ القبضة: المرة من القبض، والقبضة - بالضم - المقدار المقبوض بالكف، ويقال - أيضًا -: أعطنى قَبْضَةً من كذا، يريد معنى (القُبْضَة) تسمية بالمصدر، وكلا المعنيين محتمل، والمعنى: أن الأرضين مع عظمهن وبسطتهن لا يبلغن إلاَّ قبضة واحدة من قبضاته كأنه يقبضها قبضةً بكف واحدة (١)، وإذا أريد معنى القُبْضة - بضم القاف - فظاهر؛ لأن المعنى أن الأرضين بجملتها مقدار ما يقبضه بكف واحدة، ﴿وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ﴾ من الطى الذي هو ضد النشر، أي: مجموعات. كما قال تعالى: ﴿يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ﴾ وَعَادَة طاوي السجل أن يطوي بيمينه، والمراد من قبضته ملكه بلا ممانع ولا منازع، وبيمينه بقدرته ﴿سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ أي: ما أبرأ من هذه قدرته وعظمتُه ومما أعلاه عما يضاف إليه من الشركاء، فسبحان للتعجب. اهـ كشاف بتصرف (ج ٣ ص ٣٥٦، ٣٥٥).
وقال الآلوسي في قوله تعالى: ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ﴾ أصل القدر: اختصاص الشيء بعظم أو صغر أو مساواة، قيل المعنى: وما وصفوه تعالى حق صفاته، بل وصفوه بأنه خلق الخلق عبثًا، وأنه لا يبعث الخلق؛ لأنه لا يقدر على ذلك، وعليه يكون للتمهيد لأمر النفخ في الصُّور الآتي، وضمير الجمع في ﴿وَمَا قَدَرُوا﴾ لكفار قريش كما روى عن ابن عباس، وقيل: الضمير لليهود فقد تكلموا في صفات الله وجلاله فألحدوا وجسَّموا وجاءوا بكل تخليط فنزلت الآية ردًّا عليهم.