العظيمة والأهوال الجسيمة ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ﴾ وهي نفخة الصعق، والمشهور أن النافخ فيه ملك واحد، وأنه إسرافيل، بل حكى القرطبي الإجماع على ذلك، وهذه النفخة هي التي يموت بها الأحياء من أهل السموات والأرض إلاَّ من شاء الله، قال الإمام الآلوسي: لم يرد في تعيين المستثنى - إلاَّ من شاء الله - خبر صحيح. انتهى.
ثم يقبض الله أرواح الباقين حتى يكون آخر من يموت ملك الموت، وينفرد الحي القيوم الذي كان أولًا وهو الباقي آخرًا بالديمومة والبقاء، ويقول: ﴿لِمَنْ الْمُلْكُ الْيَوْمَ﴾؟ (١) ثم يجيب نفسه فيقول: ﴿لِلهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾ (٢) أنا الذي كنت وحدي وقد قهرت كل شيء وحكمت بالفناء على كل شيء، ثم يحيى أول من يحيى إسرافيل ويأمره أن ينفخ في الصور نفخة أُخرى، وهي نفخة البعث، قال تعالى: ﴿ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ﴾ أي: فإذا هم قائمون من قبورهم أحياء بعد أن كانوا عظامًا ورفاتًا ينظرون إلى أهوال يوم القيامة، وقيل: ينظرون، أي: ينتظرون ما يؤمرون به أو ينظرون ماذا يفعل بهم. قال - جل شأنه -: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ﴾ (٣).
٦٩ - ﴿وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾:
﴿وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا﴾ أي: أضاءت الأرض بنور خالقها ومالكها، والمراد بالأرض: أرض المحشر وهي الأرض المبدلة من الأرض المعروفة، وذلك يوم القيامة إذا تجلى الحق - جل جلاله - لفصل القضاء، وعن الحسن والسدى: تفسير نور الرب بالعدل وهو من باب الاستعارة، وقد استعير لذلك بالقرآن في مواضع متعددة منه، أي: وأشرقت الأرض بما يقيمه ربها فيها من الحق والعدل ويبسطه - سبحانه - من القسطاس في الحساب، ووزن الحسنات والسيئات، واختار الزمخشرى هذا الرأى وحقق "أَوَّلًا" تلك الاستعارة. بتكررها في القرآن العظيم، وحققها ثانيًا، بإضافة النور إلى اسمه - تعالى - لأنه - سبحانه -

(١، ٢) سورة غافر من الآية: ١٦.
(٣) سورة الروم الآية: ٢٥.


الصفحة التالية
Icon