٣ - ﴿غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾:
هذه كلها صفات للفظ للجلالة في الآية التي قبلها.
ومعني الآيتين: تنزيل القرآن كائن من الله الغالب فلا يقهر، العليم بكل شيء فلا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، غافر الذنب الذي سلف، وقابل التوبة في الحاضر والمستقبل، من كل من تاب عنه معاصيه من عباده، شديد العقاب لمن طغى وآثر الحياة الدنيا على مرضاة ربه، صاحب الخير الكثير، فلا يليق بعاقل أن ينصرف عن مرضاته، لا إله إلا هو إليه المرجع والمآب، فيحاسب كل امرئ على ما قدمت يداه.
وهذه الآية تفتح باب المتاب للتائبين مهما كانت ذنوبهم، وفي سعة رحمة الله يقول - سبحانه -: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾ (١) فليبادر كل عبد بالتوبة من ذنبه قبل أن يلتحق بربه بمعاصيه وآثامه؛ ليفوز بغفرانه ويتقى سوء عذابه.
وينبغى أن ينصح المؤمن التقى غيره حتى ينصلح حاله، أخرج ابن أبي حاتم عن يزيد ابن الأصم قال: كان رجل من أهل الشام ذا بأس، وكان يَفِد إلى عمر بن الخطاب، ففقده عمر فقال: ما فعل فلان بن نلان، فقالوا، يا أمير المؤمنين يتابع في الشراب - قال: فدعا عمر كاتبه فقال: اكتب من عمر بن الخطاب إلى فلان بن فلان، سلام عليك: فإني أحمد إليك الله الذي لا إله إلاَّ هو ﴿غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾ ثم قال لأصحابه: ادعوا الله لأخيكم أن يُقْبِل بقلبه، وأن يتوب الله عليه.
فلما بلغ الرجل كتاب عمر جعل يقرؤه ويردده ويقول: ﴿غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ﴾ قد حذرنى الله عقوبته، ووعدنى أن يغفر لي.
ورواه الحافظ أبو نعيم من حديث جعفر بن برقان، وزاد: "فلم يزل يرددها على نفسه ثم بكى، ثم نزع فأحسن النَّزْع (٢)، فلما بلغ عمر خبره قال: هكذا فاصنعوا، إذا رأيتم أخاكم زلّ زلّة فسددوه ووفقوه، وادعوا الله له أن يتوب عليه، ولا تكونوا أعوانا للشيطان عليه".
(٢) أي: ثم تاب فأحسن التوبة.