﴿إِنِّي أَخَافُ﴾ إن لم أقتله ﴿أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ﴾ أي: أن يغير ما أنتم عليه - وكانوا يعبدونه ويعبدون الأصنام التي أمرهم بنحتها وعبادتها لتكون لهم شفعاء عنده كما كان كفار مكة يقولون: هؤلاء شفعاؤنا عند الله.
﴿أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ﴾ كما أنى أخاف أن يظهر في أرضكم الفساد إن لم يقدر على تبديل دينكم بالكلية، بأن يُحيل أمنكم إلى اضطراب وتناحر، فتتعطل المزارع والمكاسب، ويهلك الناس قتلًا وضياعًا، وقال قتادة: عنى بالفساد طاعة الله - تعالى - فأراد أن الفساد في الأرض بظهور طاعة الله.
٢٧ - ﴿وَقَالَ مُوسَى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ﴾:
أي: وقال موسى - عليه السلام - لقومه بعد ما تردد على لسان فرعون من حديث قتله: ﴿إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُمْ﴾. والخطاب في قوله: ﴿وَرَبِّكُمْ﴾ لمن آمن بموسى أي: اعتصمت بالله ربي وربكم واستعذت به ويؤيده قوله تعالى في سورة الأعراف: ﴿قالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا﴾ (١) وليس الخطاب لفرعون وقومه، فإن فرعون ومن معه لا يعترفون بربوبيته - تعالى - وفي قوله: ﴿رَبِّي وَرَبِّكُمْ﴾ بعث لهم على أن يقتدوا به فيعوذوا بالله عياذه. ويعتصموا به اعتصامه، فإن في تظاهر النفوس تأثيرًا قويًا في استجلاب الإجابة وصدّر - عليه السلام - كلامه بإن تأكيدا، وتنبيها على أن السبب المؤكد في دفع الشدة هو العياذ بالله - تعالى - ولم يُسَمِّ موسى فرعون حين استعاذ بالله، بل ذكره بوصف يعمه وغيره من الجبابرة بقوله: ﴿مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لَا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ﴾ لتعميم الاستعاذة والإشعار بعدة الجرأة على الله - تعالى -، وأراد بالتكبر الاستكبار عن الإذعان للحق وهو أقبح استكبار وأدله على دناءة ومهانة صاحبه، وضم إليه عدم الإيمان بيوم بالجزاء، ليكون أدل وأدل على أنه بلغ الغاية في الطغيان، فمن اجتمع فيه التكبر والتكذيب بالجزاء وقلة المبالاة بالعاقبة. فقد استكمل القسوة والجرأة على الله - تيعالى - ولم يترك عظيمة إلا ارتكبها.