وقرئ: ﴿يَوْمَ التَّنَادِ﴾ بتشديد الدال، من ندَّ البعير: إذا هرب، أي: يوم الهرب والفرار قوله تعالى: ﴿يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ (٣٤) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ.. الآيات﴾ (١)، وفي الحديث: "إن للناس جولة يوم القيامة يندّون (٢) يظنون أنهم يجدون مهربا" وعن الضحاك: إذا سمعوا زفير النار ندوا هربًا فلا يأتون قطرًا من الأقطار إلاَّ وجدوا ملائكة صفوفا فبينما هم يموج بعضهم في بعض إذ سمعوا مناديًا: أقبلوا إلى الحساب.
٣٣ - ﴿يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾:
أي: أن يوم التناد هو اليوم الذي تولون فيه عن الموقف منصرفين عنه إلى النار، أو فارين - منها إذا سمعوا زفيرها ولا ينفعهم الهرب - كما روى عن الضحاك آنفا - ورجح هذا القول بأنه أتم فائدة وأظهر ارتباطًا بقوله تعالى: ﴿مَا لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ﴾ أي: من دافع ومانع يعصمكم في فراركم من عذاب الله. وقال قتادة: ما لكم في الانطلاق إلى النار من مانع يمنعكم منها.
﴿وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ أي: ومن خلق الله في قلبه الضلالة وفق اختياره فما له أحد يهديه طريق النجاة أصلًا، وكأن الرجل المؤمن يئس من قبولهم نصحه فقال ذلك، ووبخهم على تكذيب الرسل السابقين فقال:
﴿وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتَابٌ (٣٤) الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ (٣٥)﴾

(١) سورة عبس الآيات: ٣٤، ٣٥.
(٢) أي: يهربون.


الصفحة التالية
Icon