والمعنى: وقال ربكم ادعونى، أي: أعبدونى، والدعاء بمعنى العبادة كثير في القرآن الكريم، ويدل عليه قوله - تعالى -: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي﴾ والاستجابة: الإثابة، وفي تفسير مجاهد: "اعبدونى أثبكم" وعن الحسن وقد سئل عنها: "اعملوا وأبشروا فإنه حقٌّ على الله أن يستجيب للذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله "وعن الثورى أنه قيل له: ادع الله - تعالى - فقال: "ترك الذنوب هو الدعاء" وفي الحديث: "إذا شَغَل عبدي طاعتى عن الدعاء أعطيته أفضل ما أعطى السائلين".
وروى النعمان بن بشير - رضي الله عنه - عن رسول الله - ﷺ -: "الدعاء هو العبادة" وقرأ هذه الآية. ويجوز أن يراد الدعاء والاستجابة على ظاهرهما، ويراد بعبادتى دعائى لأن الدعاء باب من أبواب العبادة، ومن أفضل أبوابها، يصدق ذلك قول ابن عباس - رضي الله عنه -: "أفضل العبادة الدعاء".
وعن كعب: أعطى الله هذه الأمة ثلاث خلال لم يعطهن إلاَّ نبيًّا مرسلًا، كان يقول كل نبى: "أنت شاهدى على خلقى" وقال لهذه الأمة: ﴿لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ﴾ (١) وكان يقول: "ما عليك من حرج" وقال لنا: ﴿مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ﴾ (٢) وكان يقول: "ادعنى أستجب لك" وقال لنا: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ (٣).
وعن ابن عباس: "وحدونى أغفر لكم" وهذا تفسير للدعاء بالعبادة، ثم للعبادة بالتوحيد.
وقوله - تعالى -: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي...﴾ الآية، معناه: إن الذين يستعلون عن عبادتى ويتعاظمون على توحيدى وطاعتى أو على دعائى والتضرع إليّ سيدخلون جهنم أذلاء صاغرين لا يغنى عنهم تكبرهم من دخولها ولا يدفع عنهم من عذابها.
(٢) سورة المائدة من الآية: ٦.
(٣) سورة غافر من الآية: ٦٠.