والمعنى: الله - سبحانه وتعالى - الخالق البارئ الذي لا يعجزه نظام، ولا يشغله شأن عن شأن: واسع القدرة، بديع الصنعة، ومن مظاهر قدرته، وبدائع صنعته أن جعل لكم الأرض مستقرا تستقرون فيها، وتعيشون عليها، وتسعون في مناكبها، وجعل السماء لكم سقفا محفوظًا وقبةً مضروبة تدفئكم شمسها، وتهديكم نجومها، ويمطركم سحابها، وصوركم فأحسن صوركم حيث خلق كل واحد منكم منتصب القامة متناسب الأعضاء مهيأً لمزاولة الصنائع، واكتساب المعارف والكمالات، وزاد فضله فيكم وتضاعفت نعمه عليكم فرزقكم من الحلال الطيب ما تستلذون به مطعما ومشربا فاستحق بهذا كله التنزيه والتأليه، فتنزه الله - تعالى - رب العالمين، ومالك جميع الخلائق والمخلوقين، فالكل في ملكوته مفتقر إليه في وجوده وسائر أحواله.
٦٥ - ﴿هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾:
أي: هو المتفرد بالحياة الذاتية لا إله إلا هو، إذ لا موجود يدانيه في ذاته وصفاته - عز وجل - فادعوه واعبدوه وحده لاختصاصه بما يوجب ذلك - ادعوه - مخلصين والدين من الشرك الخفى والجلى، حامدين له معترفين بربوبيته الكاملة المستأهلة لدوام الحمد والثناء.
وقوله: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ من الكلام المقول على لسان المأمورين بالعبادة.
أخرج ابن جرير وابن المنذر، والحاكم وصححه، والبيهقي في الأسماء والصفات عن ابن عباس قال: "من قال لا إله إلا الله فليقل على أثرها: الحمد لله رب العالمين" وذلك قوله - تعالى -: ﴿فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ.... ﴾.