وندم على قبح فعلهم حيث لا ينفع ذلك قال الآلوسي: وجعل الجلبى هذه الآية كقوله تعالى: ﴿وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾: (١) يفزعون إلى الكذب لحيرتهم واضطرابهم.
وهكذا لا يكتفى بهذا العذاب الجسدى الذي سبقت صورته البشعة، بل يضم إليه عذاب نفسى وهو سؤالهم على سبيل التقريع والتأنيب: أين ما كنتم تعبدون من دون الله هل نفعكم هؤلاء الشركاء؟ فأجابوا: ﴿ضَلُّوا عَنَّا بَلْ لَمْ نَكُنْ نَدْعُومِنْ قَبْلُ شَيْئًا﴾.
﴿كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الْكَافِرِينَ﴾ أي: مثل ذلك الإضلال يضل الله - تعالى - في الدنيا الكافرين حتى إنهم يدعون فيها ما يتبين لهم في الآخرة أنهم ليسوا بشىء.
٧٥ - ﴿ذَلِكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَمْرَحُونَ﴾:
تقول الملائكة للكافرين: ذلكم العذاب الذي أنتم فيه - المذكور فيما سبق من سحبهم بالسلاسل والأغلال وتسجيرهم في النار، وتوبيخهم بالسؤال - ذلكم - جزاء ما كنتم تفرحرن في الأرض بغير ما يستحق الفرح، وتظهرون في الدنيا من السرور بالمعصية وكثرة المال والأَتباع والصحة وتنكرون البعث والتوحيد، وبما كنتم تبطرون وتأشرون (٢) حتى نسيتم لذلك الآخرة، واشتغلتم بالنعمة عن المنعم، وفي الحديث: "الله تعالى يبغض البَذِخِينَ الفَرحين، ويحب كل قلب حزين" ذكره الآلوسي والقرطبى.
والعدول في الآية إلى الخطاب للمبالغة في التوبيخ؛ لأن ذم المرء في وجهه أبلغ في التوبيخ.
٧٦ - ﴿ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ﴾:
أي: ادخلوا أبواب جهنم مُقدَّرا لكم الخلود فيها، فبئس المنزل والمأْوى الذي فيه الهوان والعذاب الشديد لمن استكبر عن آيات الله واتباع دلائله وحججه.
وكان مقتضى النظم الجليل حيث صُدِّر بلفظ (ادخلوا) أن يقال: فبئس مدخَلُ المتكبرين، ليتجاوب الصدر والعجز كما تقول: زرت بيت الله فنعم المزار، وصلِّ

(١) سورة الأنعام من الآية: ٢٣.
(٢) البطر والأشر: قلة احتمال النعمة وعدم الشكر عليها.


الصفحة التالية
Icon