التفسير
٥١ - ﴿وَلَئِنْ أَرْسَلْنَا رِيحًا فَرَأَوْهُ مُصْفَرًّا لَظَلُّوا مِنْ بَعْدِهِ يَكْفُرُونَ﴾:
أي: أُقسم لئن أرسلنا ريحًا يابسة - حارة أو باردة - على الزرع الذي زرعوه، ونبت وشب، واستوى على سوقه فضربته الريح بالصفار، فرأوه قد اصفر بعد خضرته ونضارته وشرع في الفساد، ليظلُّن (١) من بعد اصفرار الزرع يجحدون ما تقدم من النعم التي أنعم الله بها عليهم، ويصرون على كفرهم بالله.
وفي هذا ما يشير إلى ذمهم بعدم تثبتهم وسرعة تزلزلهم بين طرفي الإفراط والتفريط حيث إنهم إذا حبس عنهم المطر قنطوا من رحمة الله، وضربوا أذقانهم على صدورهم مبلسين، فإذا أصابهم برحمته، ورزقهم المطر، أفرطوا في الاستبشار، فإذا أرسل عليهم ريحًا عظيمة فضربت زرعهم بالصفار ضجوا وكفروا بنعمة الله، فهم في جميع هذه الأحوال على الصفة المذمومة، وكان عليهم أن يتوكلوا على الله في كل حال، وأن يشكروا نعمته عليهم بالطاعة، ويحمدوه عليها، ولا يفرطوا في الاستبشار إذا أصابهم برحمته، وأن يصبروا على بلائه إذا احتبس عنهم المطر، أو اعتراهم ما يسوءهم، ولكنهم عكسوا الأمر، فأَبوا ما يجديهم، وأتوا بما يؤذيهم بكفرهم.
٥٢ - ﴿فَإِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ﴾:
تعليل لما يفهم من الكلام السابق كأنه قيل: لا تحزن عليهم لإعراضهم، وعدم استجابتهم لك، فكما أنك ليس في قدرتك أن تُسمع الأموات في أجداثها، ولا تبلغ كلامك الذين فَقدوا القدرة على السمع، وهم مع ذلك مدبرون عنك؛ إذْ لو أقبلوا عليك لربما فطنوا الشيء من كلامك بما يرونه منك من رمز وإشارة، فبصممهم وإدبارهم فقدوا كل وسيلة للفهم والإدراك للانتفاع بمواعظك، فكانوا كالموتى في عدم السماع.

(١) لظلوا هنا بمعنى المستقبل تقبل لأنه في معنى جواب (إن) ولا يكون إلا مسقبلا، ولذلك كان معناه ليظلن، ويحسن وقوعه في موضع المستقبل في الكلام من معنى المجازاة، والمجازاة لا تكون إلا بالمستقبل: قاله الخليل وغيره.


الصفحة التالية
Icon