منكم من القول والعمل، كالشرك بالله - عز وجل - ﴿وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ﴾ أي: وعذاب أليم وهلاك شديد للمشركين لشركهم وعدم استقامتهم وتوبتهم.
٧ - ﴿الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ﴾:
قال ابن كثير: قال علي بن أَبي طلحة: عن ابن عباس: يعني الذين لا يشهدون أَن لا إِله إلاَّ الله، وكذا قال عكرمة، وهذا كقوله - تعالى -: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (٩) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا﴾ (١) وكقوله - سبحانه -: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (١٤) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى﴾ (٢) والمراد بالزكاة هنا: طهارة النفس من الشرك والأخلاق الذميمة.
وقال السدى: ﴿الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ﴾ أَي: لا يؤدون الزكاة المعروفة، وهذا هو الظاهر عند كثير من المفسرين واختاره ابن جرير، وإن اعترض على هذا الرأى بأَن إيجاب الزكاه كان في السنة الثانية من الهجرة إلى المدينة - كما ذكره غير واحد - وهذه الآية مكية، فقد أجيب عن ذلك بأَن إطلاق اسم الزكاة على طائفة مُخْرَجَةٍ من المال على وجه مخصوص كان شائعًا ومأمورًا به في ابتداء البعثة، قال - تعالى -: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ (٣) فأَما الزكاة المعروفة ذات النصاب والمقادير المخصوصة فإِنما بُيِّن أمرها بالمدينة. اهـ: ابن كثير بتصرف. ﴿وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ﴾ الجملة حال مشعرة بأَن امتناعهم عن الزكاة وبخلهم بها، لإنكارهم للآخرة واستغراقهم في الدنيا، وإنما خُص منع الزكاة مقرونًا بالكفر بالآخرة من بين أوصاف المشركين، لأن أحب شيء إلى الإنسان ماله، وهو شقيق روحه، فإذا بذله في سبيل الله فذلك أقوى دليل على ثباته واستقامته، وصدق نيته وصفاء طويته، ألا ترى إلى قوله - تعالى -: ﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ (٤).
أي: يثبتون ويدللون على ثباتها على الإيمان بإنفاق الأموال، وفي هذا حث للمسلمين على إخراج الزكاة، وتخويف شديد من منعها، حيث جعل المنع من أوصاف المشركين، وقرن بالكفر بالآخرة.

(١) سورة الشمس، الآيتان: ٩، ١٠.
(٢) سورة الأعلى، الآيتان: ١٤، ١٥.
(٣) سورة الأنعام - وهي مكية - من الآية: ١٤١.
(٤) سورة البقرة، من الآية: ٢٦٥.


الصفحة التالية
Icon