إلى أَن الأَرض وما فيها خلقت قبل السماء وما فيها مستدلا بهذه الآيات التي نحن بصددها وبقوله - تعالى -: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ﴾ (١):
والظاهر - والله أعلم - أَن الله - جلت قدرته - خاق ذات الأَرض أولًا قبل خلق السماء، ثم خلق السموات بعد ذلك، ثم أوجد الأشياء التي على الأَرض من جبال وغيرها، إذ لا يتصور حدوث العمران والحياة بصورها وأشكالها قبل خلق السموات وهذا واضح من قوله - تعالى -: ﴿وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (٣٠) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (٣١)﴾ إلخ، وهذا هو الجواب الذي أجاب به ابن عباس، فقد روى الحاكم والبيهقي بإسناد صحيح عن سعيد ابن جبير قال: "جاء رجل إلى ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - فقال: رأيت أَشياء تختلف علي في القرآن، قال: هات ما اختلف عليك من ذلك، فقال: الله - تعالى - يقول: ﴿أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ﴾ حتى بلغ ﴿طَائِعِينَ﴾ فبدأ بخلق الأَرض في هذه الآية قبل خلق السماء، ثم قال - سبحانه - في الآية الأُخرى: ﴿أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا﴾ ثم قال: ﴿وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا﴾ فبدأ - جل شأْنه - بخلق السماء قبل خلق الأَرض، فقال ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما -: أما خلق الأَرض في يومين، فإن الأَرض خلقت قبل السماء، وكانت السماء دخانا، فسواهن سبع سماوات في يومين بعد خلق الأَرض، وأما قوله - تعالى -: ﴿وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا﴾ فيقول: جعل فيها جبالا وجعل فيها أنهارا وجعل فيها شجرا وجعل فيها بحورا، قال الخفاجى تعليقًا على ذلك: يعنى أَن قوله - تعالى -: ﴿أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا﴾ بدل أو عطف بيان لدحاها بمعنى بسطها مبين للمراد منه، فيكون تأَخرها في هذه الآية ليس بمعنى تأَخر ذاتها، بل بمعنى تأَخر خلق ما فيها وتكميله وترتيبه لينتفع به أهلها.. اهـ: بتصرف يسير.
والواقع أَن السموات والأرض كانتا دخانا "وهو ما يعبر عنه العلم الحديث بالغاز" وأن الله - تعالى - خلق الأَرض والسماء من هذا الدخان بالكيفية الحكيمة التي أتقنها تدبيره وفي ذلك يقول الله - تعالى -: ﴿أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا﴾ (٢).

(١) سورة البقرة من الآية: ٢٩.
(٢) سورة الأنبياء من الآية: ٣٠.


الصفحة التالية
Icon