وأتوهم ﴿مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾ أَي: من كل جانب واتخذوا فيهم كل حيلة ليثنوهم عن غيهم وضلالهم، ويدلوهم على الصراط المستقيم، ويدعوهم ﴿أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ﴾ أَي يفردوه بالعبادة والطاعة، ولا يشركوا به أحدا، ومع ذلك لم ير الرسل منهم إلا العتو والإعراض.
وعن الحسن: أَنذروهم من وقائع الله فيمن قبلهم من الأُمم وعذاب الآخرة؛ لأَنهم إذا حذروهم ذلك فقد جاءوهم بالوعظ من جهة الزمن الماضي، وما جرى فيه على الكفار، ومن جهه المستقبل وما سيجرى فيه عليهم.
﴿قَالُوا لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لَأَنْزَلَ مَلَائِكَةً﴾ أَي: قال الكفار: لو أَراد ربنا إرسال الرسل لأَنزل ملائكه تدعونا إلى عبادته، لذا ﴿فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ﴾ أَي: فإذا كنتم بشرا مثلنا ولستم ملائكة فإنا لا نؤمن بكم ولا بما جئتم يه، ونسى هؤُلاء الكفار أَن الله لو أنزل ملائكة لجعلهم على صورة البشر حتى يأْلفهم الناس، إذ لا يطيقون رؤية الملائكة في صورهم الحقيقية، وحينئذ يلتبس الأمر عليهم، قال - تعالى -: ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِمْ مَا يَلْبِسُونَ﴾ (١).
وقولهم ﴿فَإِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ﴾) ليس إقرارا ولا اعترافًا منهم بإرسال الرسل وإنما هو من قبيل السخرية والتهكم، نظيره ما قاله فرعون في شأْن موسى - عليه السلام -: ﴿قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ﴾ (٢).
أَخرج البيهقي في الدلائل عن جابر بن عبد الله قال: قال أبو جهل والملأ من قريش: قد التبس علينا أمر محمَّد فلولا التمستم رجلًا عالما بالسحر والكهانة والشعر فَكَلَّمهُ ثم أَتانا ببيان عن أمره؟ قال عتبة بن ربيعة: والله لقد سمعت الشعر والكهانة والسحر وعلمت من ذلك علمًا، ولا يخفى عليّ إن كان كذلك. فأتاه فقال له يا محمد: أَأَنت خير أَم هاشم؟ أَأَنت خير أَم عبد المطلب؟ فلم يجب رسول الله - ﷺ - قال: فيم تشتم آلهتنا
(٢) سورة الشعراء الآية: ٢٧.