والقائمون بذلك هم الملائكة بأمر الله كما يظهر من قوله - تعالى -: ﴿احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (٢٢) مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ﴾ (١).
٢٠ - ﴿حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾:
أَي: حتى إذا ما قربوا منها في ساحة الحساب وسئلوا عن آثامهم وذنوبهم فأنكروا حصول ذلك منهم، عندئذ تشهد عليهم أسماعهم وأبصارهم وجلودهم بالذي كانوا يعملونه ويحدثونه من الجرائم والآثام في الدنيا، والمراد من الجلود هنا هو ظاهر البشرة، ولفظ (مَا) في قوله - تعالى -: ﴿إِذَا مَا جَاءُوهَا﴾ لتوكيد مجيئهم (٢) وأنه لا بد أَن تحصل تلك بشهادة من الأَسماع والأبصار والجلود عليهم.
٢١ - ﴿وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا.... ﴾ الآية:
وسأَلوا جلودهم سؤال إنكار وتقريع وتوبيخ: ما حملكم على أَن تشهدوا علينا؟ وعنكم كنا نناضل ﴿قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾:
أَي قالوا: أنطقنا الله الذي أنطق كل شيءٍ لا ينطق ولا يتكلم - أنطقنا - لنشهد عليكم بالحق، فهو قادر على ذلك، فقد خلقكم أول مرة من تراب ثم من نطفه، وإليه ترجعون، فهذه الشهادة حق الله.
وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك قال: "كنا عند رسول الله - ﷺ - فَضحِك، فقال: "هل تدرون مِمَّ أضحكُ؟ "فقلنا -: اللهُ ورسولُه أَعلمُ، قال: من مخاطبة العبد ربَّهُ، يقول: ألم تُجِرْني من الظلم؟ قال: يقولُ: بلى، قال فيقولُ: فإنى لا أُجيزُ على نفْسِى إلا شاهدًا مِنِّى، قال يقولُ: كفى بنفسِك اليومَ شهيدا، وبالكرامِ الكاتبِين شُهودا، قال: فيختْم على فِيهِ فَيُقال لأَركانه: انطِقى، فتنطق بأَعمالِه، قال: ثم يُخلَّى بينه وبين الكلام، قال فيقول: بُعْدًا لكُنَّ وسُحْقًا؛ فَعنْكُنَّ كُنتُ أُناضِل".

(١) سورة الصافات الآيتان: ٢٢، ٢٣.
(٢) فليست بنافية.


الصفحة التالية
Icon