يعرضون عنه، وذلك في قوله: ﴿قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ﴾:
ومعناه: قل - أيها الرسول - لهؤلاه المعاندين: القرآن للذين آمنوا به هدى وشفاء من الشك والعلل، لصفاء قلوبهم، ونقاء عقولهم، وبعد نظرهم، وهو للذين كفروا بعيد عن قلوبهم، فهم لذلك لا يسمعونه، كأنهم صم لا يسمعونه، فلهذا تواصوا بعدم سماعه واللغو فيه، كما قال - تعالى - في هذه السورة: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ﴾.
وهم بعيدون عن النظر فيه، كأَنهم عمى لا يبصرون، كأَن من يدعوهم إلى الحق يناديهم من مكان بعيد، لا يصل منه صوته إليهم، لصممهم المصنوع، ولا يرونه لتعاميهم عن رؤيته.
٤٥ - ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ﴾:
في هذه الآية تسلية للنبي - ﷺ - عن حزنه لاختلاف قريش على القرآن ما بين مكذب ومصدق له.
والمعنى: وبالله لقد آتينا موسي كتاب التوراة، فاختلف فيه قومه ما بين مكذب، ومصدق، فلا تحزن على اختلاف قومك على القرآن، فتلك عادة قديمة في الأمم، ولولا كلمة سبقت من ربك في حق أُمتك، وهي العدة بتأْخير عذاب المكذبين منهم إلى أجل مسمى، وهو يوم القيامة - لولا ذلك - لاستأْصلهم بالعذاب كما استأَصل المكذبين قبلهم وإن كفار قومك لفي شك من القرآن موقع في القلق والاضطراب.
٤٦ - ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾:
من عمل صالحًا بالإيمان بالكتب السماوية والعمل بموجبها فلنفسه نفعه لا لغيره، ومن أَساءَ بالكفر والعصيان فعلى نفسه ضره لا على غيره، وما ربك بظلام للعبيد، فلا يعذب أَحدًا بغير ذنب.


الصفحة التالية
Icon