أخرج سعيد بن منصور، وأحمد، والترمذي، وابن ماجه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والطبراني، وغيرهم، عن رسول الله - ﷺ - قال "لا تبيعوا القِيان ولا تشتروهنَّ ولا تُعلِّموهن، ولا خير في تجارة فيهنَّ، وثمنهنَّ حرام" في مثل هذا أُنزلت هذه الآية: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ... ﴾ إلخ ذكر ذلك الآلوسي والكشاف.
أمّا من سَلِم من ذلك، ففي "الدر المختار": التغنِّي لنفسه لدفع الوحشة لا بأْس به عند العامة على ما في "العناية" وصحّحه العيْني وغيره، وإليه ذهب شمس الدين السّرخسي، قال: ولو كان فيه وعظ وحكمة فجائز اتفاقا، ومنهم من أجازه في العرس كما جاز ضرب الدُّفِّ فيه، ومنهم من أباحه مطلقا، ومنهم من كرهه مطلقا. انتهى كلام الدّر - ذكر ذلك الآلوسي، قال: الآلوسي: ومثل الاختلاف في الغناء الاختلاف في السَّماع، فأباحه قوم كما أباحوا الغناء واستدلوا على ذلك بما رواه البخاري عن عائشة قالت: "دخل عَليَّ النبي - ﷺ - جاريتان تُغَنِّيان بغناء بعاث فاضطجع على الفراش وحوّل وجهه، وفي رواية لمسلم تسجَّى بثوبه، ودخل أبو بكر فانتهرني وقال: مزمارةُ الشيطان عند النبي - ﷺ -؟. فأقبل عليه رسول الله - ﷺ - فقال: "دعهما" فلما غفل غمزتهما فخرجتا، وكان يوم عيد. والحق أنَّ الغناء الذي لا يُحرِّك الشَّهوة، ولا يحثُّ على الفجور وشرب الخمور، يجوز في المناسبات كالعيدين، كما ورد في حديث البخاري السابق عن عائشة، وكالعرس؛ لما ورد أن الرسول حينما علم بزواج فتاة قال: "هلا بعثتم معها من يقول: (١).
أتيناكم أتيناكم... فحيُّونا نُحَيِّيكم
فلولا الحبة السمرا... ء لم نحلل بواديكم"

(١) في السنن الكبرى للبيهقي ج ٧ ص ٢٨٩ أن عمرة بنت عبد الرحمن قالت: كانت النساء إذا تزوجت المرأة أو الرجل خرج جواري الأنصار يغنين ويلعبن فمروا في مجلس فيه رسول الله وهن يغنين ويقلن:
أهدى لها زوجها أكبشا... يبحبحن في المربد
وزوجها في النادى... يعلم ما في غد
فقال: "سبحان الله، لا يعلم ما في غد إلا الله، لا تقولوا هكذا، وقولوا:
أتيناكم أتيناكم... فحيانا وحياكم
قال البيهقي: هذا مرسل جيد: هامش جمع الجوامع ص ٢٣٣٨ العدد التاسع عشر من الجزء الثاني.


الصفحة التالية
Icon