بشئونهما من طعام وكسوة، وعدم جفائهما وانتهارهما، ومن عيادتهما إذا مرضا ومواراتهما إذا ماتا، وذكر لفظ: ﴿فِي الدُّنْيَا﴾ لتهوين أمر الصحبة، والإشارة إلى أنها في أيام قلائل وشيكة الانقضاء، فلا يضر تحمُّل مشقتها لقلة أيامها وسرعة مُضيّها. ﴿وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ﴾ يريد: واسلك طريق المؤمنين في دينك، ولا تتبع سبيلهما فيه، وإن كنت مأمورًا بحسن مصاحبتهما في الدنيا، ثم إلى مرجعك ومرجعهما فأجازيك على إيمانك وأُجازيهما على كفرهما.
والآية الكريمة نزلت في سعد بن أبي وقاص، أخرج ابن أبي ليلى، والطبراني، وابن مردويه، وابن عساكر، عن أبي عثمان النُّهدي: أن سعد بن أبي وقاص قال: أنزلت في هذه الآية: ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ... الآية﴾ كنت رجلًا بَرًّا فلمَّا أسلمتُ قالت: يا سعد، ما هذا الذي أراك أحدثت؟ لتدعنَّ دينك هذا أو لا آكل ولا أشرب حتى أموت، فتُعَيَّر بي، فقال: قاتل أمِّه، قلت: لا تفعلي يا أُمَّه؛ فإني لا أدع دينى هذا بشيء، فمكثت يومًا وليلة لا تأكل، فأصبحت قد جهدت، فمكثت يومًا وليلة لا تأكل فَأَصبَحَت قد اشتدَّ جهدها، فلما رأيت ذلك قلتُ: يا أمّه تعلمين والله لو كانت لك مائة نفس فخرجت نَفسًا نفسًا ما تركت دينى هذا لشيء، فإن شئت فكلي وإن شئت فلا تأكلي، فلما رأت ذلك أكلت، فنزلت هذه الآية.
وأخرج الواحدي، عن عطاء، عن ابن عباس قال: إنه يريد بمن أناب: أبا بكر فإن إسلام سعد كان بسبب إسلامه. وقيل: من أناب، محمد - ﷺ - والمؤمنون. والظاهر العموم، وقوله - تعالى -: ﴿وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ قال الزمخشري: أراد بنفي العلم به نَفْيَه، أي: لا تشرك بي ما ليس بشيء، يريد الأصنام كقوله - تعالى -: ﴿مَا يَدْعُون مِن دُونِهِ مِن شَيء﴾ (١)، وقال الآلوسي: المعنى: وإن جاهدك الوالدان على أن تكفر بي كفرًا ليس لك به علم.

(١) سورة العنكبوت، الآية رقم: ٤٢.


الصفحة التالية
Icon