ومع هذه النعم فمن الناس من ينازع ويخاصم في توحيده - عزَّ وجل - وفي صفاته - جل شأنه - كالمشركين المنكرين وحدانيَّته - سبحانه - وعموم قدرته - جلَّت قدرته - وشمولها البعث.
والإظهارُ بدل الإضمار في قوله - تعالى -: ﴿يُجَادِلُ فِي اللَّهِ﴾ بذكر الاسم الجليل - تهويل لأمر الجد فيه، وهذا الفريق الضَّال من الناس يفعل ما يفعل بغير علم مستفاد من دديل عقلي، ولا هُدى راجع إلى رسول مأخوذ منه، ولا كتاب أنزله الله - تعالى - ذي نور واضح الدلالة على المقصود، منقذ من ظلمة الجهل والضلال، بل يجادلون لمجرد التقليد واتِّباع ما كان عليه الآباء.
وقوله - تعالى -: ﴿يُجَادِلُ﴾ من الجدال، وهو: المفاوضة على سبيل المنازَعة والمغالبة، وأصله من: جَدَلْت الحبل، أي: أحكمت فَتْلَه، كأن المتجالدين يَفْتِل كل منهما صاحبه عن رأيه، وقيل: الأصل في الجدال: الصراع وإسقاط الإنسان صاحبه على الجدالة، وهي الأرض الصلبة.
٢١ - ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ﴾:
وإذا قيل لهؤلاء المجالدين في توحيد الله المنازعين في عبادته وصفاته: اتَّبعوا ما أنزل الله على رسوله من الشَّريعة المطهَّرة، والدين الحق، وعقيدة التوحيد، قالوا: بل نتَّبع ما وجدنا عليه آباءنا فنعبد ما عبدوا من الأصنام والأوثان، ولم يكن لهم حجة في هذه العبادة إلا اتباع آبائهم الأقدمين، والاقتداء بالسالفين، ولو كانوا في ضلال مبين، ولقد عاب الله عليهم هذا النطق العجيب فقال:
﴿أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ﴾: أي: أيتَّبعونهم وينهجون منهجهم ويقلدونهم تقليدًا أعمى بلا تفكير ولا إعمال عقل، ولو كان الشيطان يدعو المجادلين وآباءهم إلى ضلال يُفضِي بهم إلى عذاب النار التي تتسعَّر وتلتهب؟