عثمان قد قُتل، فقال - ﷺ -: لا نبرح حتى نناجز (١) القوم، ونادى مناديه - ﷺ -: ألا إن روح القدس (جبريل) قد نزل على رسول الله - عليه الصلاة والسلام - فأمره بالبيعة، فاخرجوا على اسم الله - تعالى - فبعضهم بايعه على ألا يفر، وبعضهم بايعه على الموت، وبعضهم بايعه على ما في نفس رسول الله - ﷺ - ولما بايع الناس قال - عليه الصلاة والسلام -: (اللهم إن عثمان في حاجة الله وحاجة رسوله) فضرب بإحدى يديه على الأخرى فكانت يد رسول الله - ﷺ - لعثمان خيرا من أيديهم لأنفسهم، ولما سمع المشركون بالبيعة خافوا وبعثوا عثمان - رضي الله عنه - وجماعة من المسلمين ثم جرى السفراء بين رسول الله - ﷺ - وكفار قريش وطال التراجع والتنازع إلى أن جاء سهيل بن عمرو العامرى فقاضاه على أن ينصرف - عليه الصلاة والسلام - عامه هذا حتى لا يتحدث العرب أنَّا أخذنا ضُغطة (٢)، فإذا كان من قابل أتى - ﷺ - معتمرا ودخل هو وأصحابه مكة بغير سلاح حاشا السيوف في قُربِها، فيقيم بها ثلاثًا ويخرج، وعلى أن يكون بينه وبينهم صلح عشرة أعوام يتداخل الناس ويأمن بعضهم بعضًا، وعلى أن من جاء من الكفار إلى المسلمين مسلمًا من رجل أو امرأة رُدّ إلى الكفار، ومن جاء من المسلمين إلى الكفار مرتدًّا لم يردوه إلى المسلمين، فقالوا: يا رسول الله، أنكتب هذا؟ قال: نعم إنه مَنْ ذهب منا إليهم فأبعده الله، ومن جاءنا منهم فسيجعل الله له فرجا ومخرجا، فجأ عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - فقال: يا رسول الله، ألسنا على الحق وهم على الباطل؟ قال: (بلى) قال: أليس قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار؟ قال: (بلى) قال: ففيم نعطى الدَّنية في ديننا ونرجع ولما يحكم الله بيننا وبينهم؟ فقال: (يا بن الخطاب إني رسول الله ولن يضيعنى الله أبدا) فانطلق عمر فلم يصبر متغيِّظا، فأتى أبا بكر فقال له ما قاله لرسول الله - ﷺ - فقال له أبو بكر: يا بن الخطاب إنه رسول الله ولن يضيعه الله أبدا فنزل القرآن على رسول الله - ﷺ - بالفتح، فأرسل إلى عمر فأقرأه إياه، فقال: يا رسول الله أوَ فَتْحٌ هو؟ قال: (نعم) فطابت نفسه ورجع...
حقًّا لقد كان صلح الحديبية فتحًا عظيمًا، فبعده دخل كثير من العرب في الإسلام وجاءت
(٢) ضغطة: قهرا.