غزوة حنين، إذ لم تستطيعوا اغتنامها والحصول عليها وقت أن ركنتم إلى كثرتكم، واعتززتم بقوتكم، واعتمدتم على كثرة عددكم وقلة عدوّكم فقلتم: لن نغلب اليوم عن قلة، وكان الجيش الإِسلامي في اثنى عشر ألفًا وجيش الكفار في أربعة آلاف، فلم تغن عنكم هذه الأعداد شيئًا حتى ضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثم وليتم الأدبار منهزمين، ثم أدركتكم عناية ربكم - سبحانه - فأنزل سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وملأَ قلوبهم اطمئنانًا وثقة في الله - جل وعلا - وأنزل جنودًا من الملائكة لم تبصروها فكانت عونًا لكم على عدوّكم وعذَّب الله الذين كفروا فهزمهم وأعطاكم غنائمهم بعد أن أحاط بها وحفظها لكم ومنعها من سواكم؛ والله - سبحانه - قدير لا يعجزه ولا يفوته شيء في الأرض ولا في السماء ولا فيما وراء ذلك مما لا نعلمه، فغلبة المؤمنين على هؤلاء الكفار واغتنام أموالهم أمر واقع لا محالة إذ قد حكم به الله وقضاه.
٢٢ - ﴿وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا﴾:
أي: ولو امتنع المشركون وغيرهم عن أن يصالحوكم، وأصروا على قتالكم وحاربوكم لانهزموا وفروا وأعطوكم أدبارهم وظهورهم تُعْمِلون فيها أسلحتكم قتلًا وجرحًا، ولأمكنكم منهم أخذًا وأسرًا، ثم هم مع ذلك لا يجدون من وليّ يتولى أمرهم ويحرسهم من بأس الله على أيدى المؤمنين، ولا يجدون أحدًا ما ينصرهم ويقاتل معهم، قال الإِمام الفخر الرازي: أريد بالولي: من ينفع باللطف. وبالنصير: من ينفع بالعنف، أَي: لا ينالون ولا يصيبون عونًا من أحد يدفع عنهم برفق ولين أو يقف بجانبهم يحمل السلاح ويخوض معهم الحرب في قتالهم للمؤمنين.
٢٣ - ﴿سُنَّةَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبْدِيلًا﴾:
أي: سنّ الله - سبحانه - غلبة أنبيائه ونصرتهم - عليهم الصلاة والسلام - سنة وطريقة قديمة فيمن مضى من الأُمم، قال - تعالى -: ﴿كتب الله لأغلبن أنا ورسلي﴾ (١) والمراد:

(١) من الآية ٢١ من سورة المجادلة.


الصفحة التالية
Icon