قال مجاهد وغيره: نزلت في أعراب بني تميم؛ قَدِم الوفد منهم على النبي ﷺ فدخلوا المسجد ونادوا النبي ﷺ من وراء حجراته: أن اخرج إلينا فإن مدحنا زَيْنٌ وذمنَا شَيْنٌ، وكانوا سبعين قدموا لفداء ذرارى لهم، وكان النبي - ﷺ - نَام القائلة.
وروى أن الذي ناداه منهم هو الأقرع بن حابس، وأنه هو القائل: إن مدحى زين وإن ذمى شين، فقال النبي - ﷺ -: "ذاك الله" رواه الترمذي عن البراء بن عازب، والمراد من قوله - ﷺ -: "ذاك الله" أن الذي مَدْحُهُ زين وذمه شين هو الله تعالى.
وفي رواية عن زيد بن أرقم قال: "أتَى أناس النبي - ﷺ - فقال بعضهم لبعض: انطلقوا بنا إلى هذا الرجل، فإن يك نبيًّا فنحن أسعد الناس باتباعه، وإن يك مَلِكًا نَعِشْ في جنابه فأَتوا النبي - ﷺ - فجعلوا ينادونه: يا محمَّد، يا محمَّد.
وهناك روايات أُخرى لسبب النزول، وحَسْب القارئ ما تقدم.
والحجرات جمع حجرة (١) والمراد بها بيوت النبي - ﷺ - التي أسكن فيها زوجاته، وقد بينت الآية أن أكثر هؤلاء المنادين لا يعقلون، ويفهم منها أن أقلهم يعقلون وهم الذين لم يوافقوا على ندائه قبل أن يخرج إليهم.
والمعنى الإجمالي للآية: أن الأعراب الذين ينادونك - أيها النبي - من وراء الحجرات وقت راحتك في النهار أو الليل، أكثرهم لا يعقلون، حيث لم يفرقوا بين ما يليق وما لا يليق وقد أوضح الله لهم ولغيرهم كيف يكون الأدب مع رسول الله ﷺ فقال:
٥ - (وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ):
كان النبي ﷺ لا يحتجب عن الناس إلا في أوقات يشتغل فيها بمهمَّات نفسه، وذلك حقٌّ له، فمن سوء الأدب إزعاجه وقت راحته، وعلى من أراد لقاءه أن ينتظره حتى يخرج.

(١) والحجرة: الرقعة من الأرض المحجورة بحائط يحيط بها، وكل ما منعت أن يوصل إليه فقد حجرت عليه.


الصفحة التالية
Icon