وقد كان السلف يبالغون في البعد عن السخرية، وهو لا يكلفنا شيئًا، فينبغى أن نكون مثلهم، فالعبرة في الإِسلام بالقلوب لا بهيئات الناس ومظاهرهم قال - ﷺ -: "إن الله لا ينظر إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم" وإذا رأيت إنسانا على معصية فانهه ولا تسخر منه.
ويقول الله - تعالى -: (وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) واللمز: العيب، وقد يكون باللسان أو الإشارة أو العين أو غير ذلك، وقال: (وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) ولم يقيل: ولا يلمز بعضكم بعضًا، ليشير بذلك إلى أَن المؤمنين كنفس واحدة، فمن عاب غيره منهم فكأَنما عاب نفسه، قال - ﷺ -: "المؤمنون كجسد واحد، إن اشتكى عضو منه تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" أو: لا تفعلوا ما تلمزون به؛ فإن من فعل ما استحق به اللمز فقد لمز نفسه.
ثم يقول الله - تعالى -: (وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ) والنَّبَزُ - بالتحريك -: اللقب، ويكثر إطلاقه على لقب السوء، وبالتسكين (النَّبْزُ) المصدر، تقول: نبزه ينبز نبزًا: إذا لقبه بما يسوءُه، أخرج الترمذي في سبب نزولها عن أبي جبير بن الضحاك قال: كان الرجل منا يكون له الاسمان والثلاثة، فيدعى ببعضها فعسى أن يكره، فنزلت هذه الآية (وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ) قال: هذا حديث حسن.
وقال قتادة: هو قول الرجل للرجل: يا فاسق، يا منافق.
ومن الآية وسبب النزول عرفنا أن تلقيب الرجل بما يكره منهى عنه.
وجاءَ في الآية ﴿بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ﴾ أي: بئس أن يسمى الرجل كافرًا أو فاسقًا بعد إسلامه وتوبته، روى أن أبا ذرٍّ كان عند النبي - ﷺ - فنازعه رجل، فقال له أبو ذر: يا ابن اليهودية، فقال - ﷺ -: "ما ترى؟ ها هنا أحمر وأسود؟ ما أنت بأفضل منه".
وقيل في معنى الآية: إن من لقَّب أخاه أو سخر منه فهو فاسق.