والمراد بالكتاب الحفيظ: علم الله - تعالى - على سبيل التمثيل، أَو اللوح المحفوظ، ثم أَضرب عن إنكارهم البعث انتقالًا إلى ما هو أَفظع منه، وذلك في قوله - جل وعلا -: (بَلْ كَذَّبُوا بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ):
أي: بل كذبوا بالقرآن الذي هو كلام الله ومعجزته الدالة على نبوة محمد - ﷺ -، وكان تكذيبهم به حين جاءهم من غير روية، وبلا تفكر وتدبر، وبتكذيبهم له تكذيبا لما فيه من توحيد الله - تعالى - وسائر كمالاته، وكذبوا بنبوة محمد - ﷺ - فهم في أمر مضطرب، فتارة يقولون: إنما يعلمه بشر وما هو من كلام الله، وأُخرى يقولون: إنه شعر، وثالثة يقولون: هو أساطير الأَولين.
ويقولون عن محمد - ﷺ -: إنه ساحر وكاهن وشاعر ومجنون، وكل ذلك ناشئ عن نظرات سطحية لا عمق فيها، وعن تقليدهم للآباء، وزعمهم أنه لو كانت نبوة من البشر لكلف بها رجل من الرؤساء، وذلك قولهم: ﴿لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ﴾ (١) يعنون بهما: مكة والطائف، فهم في أمر مريج مضطرب لا يثبتون على حال، وقد ذابت كل أكاذيبهم مع الزمن، ودخل الناس في دين الله أفوجًا، ومنهم أهل مكة في السنة الثامنة من الهجرة، وصدق الله - تعالى - إذ يقول: ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾ (٢).
(٢) سورة الإسراء، الآية: ٨١.