الوسوسة لغة: الصوت الخفى، ومنه وسواس الحُلى، (أي: صوت احتكاك بعضه ببعض) وما توسوس به نفسه: ما يخطر بباله من الخواطر الخفية المختلفة.
والمراد من قربه - تعالى - من العبد أكثر من حبل الوريد أنه - سبحانه - أعلم بحاله سرا أو علنا، فهو أقرب إليه بعلمه من حبل الوريد الذي يمتد في عنقه، وليس المراد منه القرب الذاتى؛ لأنه - تعالى - ليس له مكان، فهو من باب الثمثيل والتشبيه، وليس من باب الحقيقة.
وعن الأثرم أنه يقال: في العنق الوريد، وفي القلب الوتين، وفي الظهر الأبهر، وفي الذراع والفخذ الأكحل والنَّسا، وفي الخنصر الأسلم: انتهى.
وبالجملة فحبل الوريد مثل في شدة القرب، وإضافة الحبل إليه للبيان كشجر الأراك.
١٧ - (إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ):
لفظ (إذ) ظرف بمعنى حين، متعلق بلفظ (أقرب) في الآية السابقة، أو مفعول لفعل مقدر تقديره: اذكر، والمتلقيان: الملكان الوكلان بكيل إنسان يكتبان أعماله وأقواله في كتاب يتسلمه يوم القيامة، فيعلم منه أنه من الناجين إن تلقاه بيمينه، أو من أهل النار إن تلقاه بشماله أو من وراء ظهره - أعاذنا الله من ذلك -.
وعِلْمُ العبد بكتابة أعماله مع علمه بأنه - تعالى - أعلم بحاله مما يحمله على إحسان العمل.
وقوله - تعالى -: (عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ) معناه عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد، فحذف قعيد من الأول لدلالة الثاني عليه، والمراد من قعود الملك ملازمته للعبد للكتابة.
١٨ - (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ):
أي: أَن أقوال العباد من خير أو شر أو غيرهما يكتبها ملك ملازم له يرقبها ويسجلها في صحيفته، فإن كانت خيرًا كتبها الرقيب الذي عن يمينه، وإن كانت شرًّا كتبها