والمعنى: قال الشيطان المقيض للكافر، المقارن له والموكل به - ذا علي إنكاره -: ربَّنَا ما أوقعته في الطغيان، ولا حملته على الضلال قسرا واستكراها، ولكن كان هو في ضلال بعيد عن الحق، مغرق في العناد والفساد، فأعنته عليه بالإغراء والإغواء من غير قسر ولا إلجاء فهو كقوله - تعالى -: ﴿وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي﴾. (١).
٢٨ - ٣٠ - (قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (٢٨) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (٢٩) يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (٣٠)):
استئناف آخر مبنى على سؤال نشأ عما قبله، كأنه قيل: ماذا قال الله تعالى؟ فقيل: قال - عز وجل -: (لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيّ).
والمعنى: لا يخاصم بعضكم بعضًا عندي في موقف الحساب والجزاء فإن ذلك لن يفيدكم، ولا يغنى عنكم شيئًا، وقد قدمت إليكم، وأعذرت بالوعيد والتخويف، والتحذير من عاقبة الطغيان في الدنيا، على ألسنة رسلى، وفي كتبي المنزلة عليهم فلم تسمعوا، ولم تطيعوا فلا تطمعوا في الخلاص مما أنتم فيه من التعلل بالمعاذير الباطلة، وقد علمتم ما قدمت وما أعذرتكم به، ومن جملته ما قلته لإبليس: ﴿لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ﴾ (٢) فاتبعتموه معرضين عن الحق، مغرقين في الكفر والضلال.
وقوله - تعالى -: (ما يبدل القول لديّ) فض لخصومتهم، وقطع لرجائهم، معناه: لا يقع عندي تبديل ولا تغيير لما قررناه وأردناه وقدمناه في دار الدنيا من أنى أعاقب من جحدنى، وكذَّب رسلى، وخالفنى في أمرى لا يبدل من ذلك شيء بغيره وقوله - تعالى -: ﴿وما أنا بظلام للعبيد﴾ وارد لتحقيق الحق على أبلغ وجه، ولتبيين أَن عدم التبديل للقول وتحقيق موجب الوعيد ليس من جهته - تعالى - من غير استحقاق له منهم، بل إنما ذلك لما صدر منهم من الجنايات الموجبة له.
وصيغة المبالغة لتأكيد هذا المعنى بإبراز ما ذكر من التعذيب بغير ذنب في معرض المبالغة في الظلم، وهو لا يكون منه. ويجوز أَن يكون لرعاية جميع العبيد من قبيل قولهم: فلان ظالم لعبده، ظلَّام لعبيده. وقيل إن فعَّالًا تأتى بمعنى فاعل أي: وما ربك بظالم لعبيده.
(٢) سورة ص، الآية: ٨٥.