والمعنى: وأُدنيت الجنة وقربت للمتقين الذين وقوا أنفسهم من الكفر، وتحاشوا المعاصي، وقاموا على اتباع الأوامر واجتناب النواهى فاستحقوا أحسن الجزاء، وأوفر النعيم في جنات تجمع كل أنواع المتاع من الأنهار والأشجار، وطيب الثمار، ومن الأزواج الكرام، والحور الحسان، والخدم من الولدان. وهي قريبة منهم في مكان غير بعيد بحيث يشاهدونها، ولا يلحقهم تعب أو ضرر ولا مشقة في الوصول إليها، أو المراد حصول هذا لهم غير بعيد لأنه آت لا محالة، وكل آتٍ قريب.
وقوله - تعالى -: ﴿هذا ما توعدون﴾ إشارة إلى الجنة، أي: هذا الذي ذكرناه هو ما وعدتم به من الثواب على ألسنة الرسل لكل رجَّاع إلى الله عائذ به مراقب له لا يغفل عن ذكره، ولا ينام عن طاعته، حفيظ لعهده أَن ينتقض، ولتوبته أَن تنتكس، حافظ لذنوبه حذرًا أَن يقع فيها مرة أخرى مستغفرًا منها، فهو أبدًا مع الله ندمًا على ما فرط فيه في ماضيه، وعزمًا على الاجتهاد في عمل ما يرضيه، روى عن ابن عباس، وسعيد بن سنان، وقريب منه ما أخرجه سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن المنذر عن يونس بن خباب قال: قال لي مجاهد: "ألا أنبئك بالأواب الحفيظ؟ هو الرجل يذكر ذنبه إذا خلا فيستغفر الله - تعالى - منه".
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر عن عبيد بن عمير: كنَّا نعد الأوّاب الحفيظ الذي يكون في المجلس فإذا أراد أَن يقوم قال: اللهم اغفر لي ما أصبت في مجلسى هذا.
وقوله - تعالى -: (مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ) زيادة في الإيضاح والبيان لمعنى الأواب الحفيظ.
والمعنى: هذا الجزاء الموفور، والنعيم المذكور لمن اشتد خوفه من ربِّه، وعظمت مراقبته لخالقه كأنه يراه أو يخشى ربَّه ويراقبه في خلوته وغيبته عن أعين الناس حياء من الله.
والمعنى في قوله - تعالى -: (وجاء بقلب منيب) أنه يداوم ذلك، ويقيم عليه حتى يوافيه أجله فيلقى الله بقلب عاش مقبلا على طاعته، طامعًا في رحمته. مؤمنا بعاقبته وأوبته حتى أتى الله بقلب سليم.