والمعنى: فورب السماء والأرض إن كل ما تقدم في هذه السورة من أخبار وأحوال، وأوصاف وتذكير حقٌّ واقع وأمر ثابت لا يرقى إليه شك، ولا يختلف في أحقيته أحد، وكما أنه لا شك لكم في أنكم تنطقون ينبغي ألا تشكوا في حقيته، فهو كما نقول: إن هذا حق مثل (١) أنك تبصر وتسمع.
روى في الأصمعى قال: أقبلت من جامج البصرة، فطلع أعرابيّ على قعود له.
فقال: مَن الرجل؟ قلت: من بني أصمع. قال: من أين أقبلت؟
قلت: من موضع يتلى فيه كتاب الرحمن. قال: اتلُ عليّ، فتلوت (وَالذَّارِيَاتِ ذَرْوًا... ) فلما بلغت قوله - تعالى -: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ). قال: حسبك، فقام إلى ناقته فنحرها ووزعها على من أقبل وأدبر، وعمد إلى سيفه وقوسه فكسرهما وولَّى.
فلما حججت مع الرشيد طفقت أطوف بالبيت، فإذا بمن يهتف بى بصوت دقيق فالتفت فإذا هو الأعرابى قد نحل واصفر فسلَّم عليَّ واستقرأنى السورة فلما بلغت الآية صاح وقال: ﴿قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا﴾. ثم قال: وهل غير هذا؟ ﴿فوربِّ السماء الأرض... ﴾ فصاح وقال: يا سبحان الله. من الذي أغضب الجليل حتى حلف. لم يصدقوه بقوله: حتى ألجأوه إلى اليمين. قالها ثلاثًا، وخرجت معها نَفْسه.