﴿هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ﴾ أي: وتقول لهم الزبانية - تقريعًا وتوبيخًا -: هذه النار التي كنتم بها تكذِّبُون في الدنيا، ومثلها في التكذيب بها تكذيبهم بالوحي النَّاطق بها.
١٥ - ﴿أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ﴾:
استفهام قصد به التقريع والتهكم بهم، كأنه قيل: كنتم تقولون للوحي الذي أنذركم: هذا سحر، أفهذا الذي تشاهدونه من العذاب في النَّار سحر أيضًا؟ أم أنتم عمى عن المخبر به كما كنتم في الدنيا عميًا عن الخير؟.
١٦ - ﴿اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾:
أي: ادخلوا النار وقاسوا شدائدها وذوقوا حرّها، فافعلوا ما شئتم من الصّبر وعدمه وسواء أصبرتم على عذابها ونكالها أم لم تصبروا لا محيد لكم عنها ولا خلاص لكم منها والأمران (الصّبر وعدمه) سواء عليكم في عدم النَّفع، إذ كل لا يدفع العذاب ولا يُخففه وإنَّما تُلَاقون اليوم في الآخرة جزاءَ ما كنتُم تعملون في الدُّنيا.
وقوله - تعالى -: ﴿إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ تعليل للاستواء، فإن الجزاء لمّا كان مُحتم الوقوع لسبق الوعيد به وقضائه - سبحانه وتعالى - إيّاه بمقتضى عدله ﴿وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا﴾ (١) كان الصبر وعدمه مُسْتويين في عدم النفع.
ووجّه الزَّمخشري كَوْنَ قوله - تعالى -: ﴿إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ تعليلا للاستواء فقال: لأن الصّبر يكون له مزية على الجزع لنفعه في العاقبة بأن يُجازى عليه الصّابر جزاء الخير، فأمّا الصّبر على العذاب - الذي هو الجزاء - ولا عاقبة له ولا شفعة فيه، فلا مزية له على الجزع.

(١) سورة الكهف، من الآية: ٤٩.


الصفحة التالية
Icon