إن الذين لا يصدقون بالبعث والحساب والجزاء في الآخرة ليسمون الملائكة تسمية الأُنثى، فيقولون: هم بنات الله - تعالى الله عما يقولون علوًّا كبيرًا - وليس لهم بهذا الادّعاء من علم، فإنه ليس عليه دليل عقلي ولا نقلي، ما يتبعون في هذه التسمية إلَّا التوهم الباطل، وإنه لا يغني من الحق شيئًا من الإغناء.
وقد أنكر الله في هاتين الآيتين آمرين ونفاهما:
أحدهما: دعوى أنوثتهم.
وثانيهما: أنهم بنات الله، وقد توعدهم الله على ذلك في سورة الزخرف فقال - سبحانه -: ﴿وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ﴾ (١).
٢٩، ٣٠ - ﴿فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (٢٩) ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى﴾:
اترك ولا تهتم أيُّهَا الرسول بمن أعرض عن ذكرنا المفيد للعلم بالحق، وهو القرآن العظيم، المشتمل على العقائد الصحيحة، وعلى علوم الأولين والآخرين، ولم يرد إلا الحياة الدنيا قاصرًا نظره عليها كالنضر بن الحرث، والوليد بن المغيرة، ولا تحرص على هداهم أكثر مما فعلت، ولا تأس على القوم الكافرين، ذلك الذي تقدم في شأن عقيدتهم، وقصر نظرهم على الدنيا وإنكارهم للآخرة هو منتهى ما وصلوا إليه من الإدراك والفهم، إن ربك هو أعلم بمن انحرف عن السبيل الموصل إلى مرضاته، وهو أعلم بمن اهتدى إليه، فسوف يجزى كليهما بالجزاء الذي يستحقه.