٣٢ - ﴿الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ﴾:
هذه الآية بيان للذين أحسنوا ومدح لهم، فكأنه قيل: المحسنون هم الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش ولا يفعلونها، ولكن قد يفعلون اللمم.
وكبائر الإثم: ما عظم من الذنوب، ووصفها بعضهم بما ورد فيه وعيد شديد كالغيبة والنميمة، والفواحش هي نفس الكبائر - كما ذهب إليه بعض العلماء - فعطفها على الكبائر لتقبيحها، وذهب آخرون إلى التفرقة بينهما، فالكبائر: ما ورد فيه وعيد شديد أو لعن بلا إقامة حدّ، والفواحش: ما ورد فيها الحد كالزنى والسرقة والقتل بغير حق، ويشبه هذا الرأي ما نقل عن مقاتل: كبائر الإثم: كل ذنب ختم بالنار، والفواحش: كل ذنب فيه الحد.
واللَّمَمَ: ما يُلم به العبد من صغائر الذنوب، ومثَّل له أبو سعيد الخدري بالنظرة، والغمزَة، والقبلة، وفسره الرُّمَّاني: بأنه هو الهم بالذنب وحديث النَّفس دون ارتكاب له، وعليه فالاستثناء فيه منقطع بمعنى: (لكن) قد يحدث منهم اللمم، وعن ابن عباس: هو الرجل يُلِمُّ بالذنب ثم يتوب، وبه قال مجاهد والحسن، ودليل ذلك قوله - تعالى -: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ﴾ (١) ثم قال:
﴿أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ | ﴾ (٢) ودليله من الآية ﴿إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ﴾ وعليه يكون متصلا. |
(٢) سورة آل عمران، من الآية: ١٣٦.