﴿فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾ أي: فهل من معتبر بتلك الآية؟ والأَصل مدتكر: أبدلت التاء دالا وأَدغمت الدال في الدال، وقيل غير ذلك في أصلها.
التفسير
٩ - ١٧ - ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (٩) فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (١٠) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (١١) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (١٢) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (١٣) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (١٤) وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٥) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (١٦) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾:
شروع في تعداد بعض ما ذكر من الأَنباءِ الموجبة للازدجار، وتفصيل لها، وبيان عدم تأَثرهم بها تقريرًا لما يشير إليه قوله - تعالى -: ﴿فَمَا تُغْنِ النُّذُرُ﴾.
والمعنى: كذب قبل أهل مكة قومُ نوح فكذبوا عبدنا نوحًا - عليه السلام - تكذيبًا إثر تكذيب كلما خلا منهم قرن مكذّب جاءَ عقيبه منهم قرن آخر مكذب مثله.
وقيل: معنى ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ﴾ ابتدأَت التكذيب، ومعنى ﴿فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا﴾ أَتموه وبلغوا نهايته. أو: لما كانوا مكذبين للرسل جاحدين للنبوة رأسًا كذبوا نوحًا لأَنه من جملة الرسل، والفاء - عليه - للسببية، وفي ذكر - عليه السلام - بعنوان العبودية مع الإضافة إلى نون العظمة تفخيم له وتشنيع على مكذبيه الذين لم يقتصروا على مجرد التكذيب، ولم يقنعوا به بل دفعهم حقدهم وسوء طويتهم إلى أَن ينسبوه إلى الجنون حيث قالوا عنه: إنه مجنون؛ يقول ما لا يقبله عاقل، وزجرره عن تبليغ الرسالة بأَنواع الأَذية والتخويف، والوعيد الشديد فقالوا له: ﴿لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ﴾ (١).
ولما استحكم يأْسه من استجابتهم له بعد أن دعاهم ليلًا ونهارًا، وسرًّا وعلنا لجأ إلى ربه فدعاه قائلا: ﴿أَنِّي مَغْلُوبٌ﴾ من جهة قومي، ما لى قدرة على الانتقام منهم ﴿فَانْتَصِرْ﴾ لي