الله فأَضافهم لوط - عليه السلام - فبعثت امرأته العجوز السوء إلى قومها فأعلمتهم بالأضياف فأَقبلوا يُهرعون من كل مكان طلبا للفجور بهم، فطمس الله أعينهم، وذلك بمسحها وتسويتها كسائر الوجه لا يرى لها شق، كما تطمس الريح الأعلام بما تسفى عليها من التراب. وكان لوط يدفعهم ويمانعهم دون أضيافه، وروي أن جبريل - عليه السلام - استأْذن ربه - سبحانه - ليلة جاءُوا وعالجوا الباب ليدخلوا عليهم فصفقهم بجناحه فتركهم عميانًا مع بقاء أَبصارهم فلم يروهم ولم يهتدوا إلى طريق خروجهم حتى أخرجهم لوط - عليه السلام - فخرجوا يتحسسون بالحيطان ويتوعدون لوطًا بالانتقام منه في الصباح. وقيل: الطمس مجاز عن حجب الإدراك، وذلك أنهم حينما دخلوا المنزل ونظروا لمن فيه لم يروا شيئًا فجعل ذلك كالطمس فعُبِّر به عنه:
وقلنا لهم على أَلسنة الملائكة: ﴿فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ﴾ ويراد من الأَمر الخبر، بمعنى فأذقناهم عذابى الذي أنذرهم به لوط - عليه السلام - وهو الطمس لأَنه من جملة ما أُنذروه من العذاب، أما عذاب الإبادة الذي أُهلكوا به فقد صبحهم بكرة كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً﴾ أي: أتاهم في الصباح أول النهار كما تشير إلى ذلك ﴿بُكْرَةً﴾ وهي أخص من الصباح فليس في ذكرها زيادة، بل هي كالتأْكيد. وكان هذا العذاب دائمًا مستقرًا لا يفارقهم ولا ينفك عنهم حتى يسلمهم إلى النار في الآخرة، وفي وصفه بالاستقرار إيماء إلى أَن ما قبله من عذاب الطمس ينتهى إلى الإبادة، وقوله - تعالى -: ﴿فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ﴾ حكاية لما قيل لهم من جهته - تعالى - تشديدًا للعذاب الواقع بهم، وفائدة تكرير ﴿فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ﴾، وتكرير ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ... ﴾ الآية. في هذه القصص أن يجدد المشركون عند استماع كل نبأ من أنباء الأَولين ادِّكارًا واتعاظًا. وأَن يستأْنفوا تنبهًا واستيقاظًا إذا سمعوا الحث على ذلك والبعث عليه. وهذا حكم التكرار في قوله - تعالى -: ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ عند كل نعمة عدها، وكذلك تكرير الأنباء والقصص في أَنفسها لتكون تلك العبر حاضرة للقلوب مصورة للأَذهان مذكورة غير منسية في كل أوان.