٤٥ - ﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ﴾:
رد لقولهم السابق، والإتيان بالسين للتأْكيد.
والمعنى: سيهزم جمع مشركى مكة، أَو الكفار لا محالة ويولون الأدبار منهزمين.
قال سعيد بن جبير: قال سعد بن أبي وقاص: لما نزل ﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ﴾ كنت لا أَدرى أَي الجمع ينهزم فلما كان يوم بدر رأَيت النبي - ﷺ - يثب في الدرع ويقول: "اللَّهُمَّ إن قريشًا جاءَت تحادُّك، وتحادّ رسولك بفخرها فأَخِنْهم - أي: أَهْلِكْهُم - الغداةَ. ثم قال: ﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ﴾ فعرفت تأْويلها. وهذا من معجزات النبي - ﷺ - أخبر عن غيب فكان، كما أخبر. قال ابن عباس: كان بين نزول هذه الآية وبين بدر سبع سنين. فالآية مكية. وقد أخرج ابن أبي حاتم والطبرانى في الأَوسط وابن مردويه عن أبي هريرة قال: أنزل الله - تعالى - على نبيه - ﷺ - بمكة قبل يوم بدر ﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ﴾ وقال عمر بن الخطاب: قلت: يا رسول الله أيّ جمع يهزم؟ فلما كان يوم بدر وانهزمت قريش نظرتُ إلى رسول الله - ﷺ - في آثارهم مُصْلِتًا بالسيف (١) وهو يقول: ﴿سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ﴾. فكانت ليوم بدر، وقيل: ويولون الدبر ولم يَقُل: الأدبار إما لإرادة الجنس الصادق على الكثير مع رعاية الفواصل، أو لإرادة أن كل واحد منهم يولى دبره، وقد كان كذلك يوم بدر وغيره.
٤٦ - ﴿بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ﴾:
إضراب انتقالى لبيان أن ما وقع لهم ببدر ليس نهاية عذابهم، بل الساعة موعد عذابهم الأَصلى، وهذا من طلائعه وبوادره، وعذاب الساعة أشد وأنكى ممَّا لحقهم يوم بدر من الهزيمة والقتل والأَسر، و"أدهى" مبالغة: من الداهية، وهي الأَمر الفظيع الذي لا يهتدى إلى الخلاص منه، و"أَمَرُّ" مبالغة في شدة المرارة عند الذوق على سبيل الاستعارة لصعوبتها على النفس، وإظهار الساعة في موضع الإضمار لشدة تهويلها وبث الحزن في نفوسهم.

(١) ممسكا به: وهو يقاتلهم.


الصفحة التالية
Icon