٥٣ - ﴿وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ﴾:
أي: وكل صغير وكبير من الأعمال كما روى عن ابن عباس ومجاهد وغيرهما..
وقيل: من الأعمال ومن كل كائن إلى يوم القيامة، كل ذلك مسطور في اللوح المحفوظ بتفاصيله مثبت فيه. ومسطور من السطر بمعنى الكَتْب. وقال صاحب اللوامع: يجوز أن يكون من طرّ النبات والشارب: ظهر، وعليه يكون المعنى: وكل صغير وكبير ظاهر في اللوح مثبت فيه.
٥٤، ٥٥ - ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (٥٤) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ﴾:
ولما كان بيان سوء حال الكفرة بقوله - تعالى -: ﴿إِنَّ الْمُجْرِمِينَ﴾ إلخ مما يستدعى بيان حسن حال المؤمنين ليتكافأ الترغيب والترهيب بين سبحانه ما لهم من حسن الحال بطريق الإجمال فقيل: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ﴾ الآية..
والمعنى: إن الذين اتقوا الله فابتعدوا عن الكفر والمعاصى، في جنات عظيمة الشأن رفيعة المقدار، وأنهار لها صفاؤها وتدفقها، وأفردت الأنهار اكتفاء بالجنس مراعاة للفواصل، وعن ابن عباس تفسير النهر بالسعة، والمراد بالسعة سعة المنازل على ما هو الظاهر، وقيل: سعة الرزق والمعيشة، وقيل: بما يعمهما.
وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن محمَّد بن كعب قال: ونَهَر، أي: في نور وضياء، وهو على الاستعارة بتشبيه الضياء المنتشر بالماء المتدفق من منبعه. وجوز أن يكون بمعنى النهار على الحقيقة، أي: أنهم لا ليل ولا ظلمة عندهم في الجنات.
وكما أنهم في جنات ونهر فهم في مجلس صدق، ومكان مرضى. قال جعفر الصادق - رضي الله عنه -: مدح المكان بالصدق فلا يقعد فيه إلا أهل الصدق وهو المقعد الذي يتصدق الله - تعالى - فيه مواعيد أوليائه بأنه يبيح لهم - عَزَّ وَجَلَّ - النظر إلى وجهه الكريم، وإفراد المقعد لإرادة الجنس، هذا المجلس عند مليك لا يقادر قدر ملكه وسلطانه، فلا شيء في الكون إلا وهو تحت ملكوته - سبحانه - ما أعظم شأنه، ويشير إلى ذلك الإتيان بصيغة المبالغة في ﴿مَلِيكٍ﴾