الإنسان - وهي عبادة الله - قال تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ (١).
والمراد من الإنسان: الحنس، وبخلقه: إنشاوه على ما هو عليه من القُوى الظاهرة والباطنة، والمراد من تعليمه البيان: تمكين الإنسان من التعبير عما في نفسه وفهم بيان غيره، وهو الذي يدور عليه تعليم القرآن، وقيل تعليمه البيان: تعليمه التكلم بلغات مختلفة. وقيل المراد بالإنسان: آدم، وبتعليمه البيان تعليمه الأسماء كلها، أو علم الدنيا والآخرة، والنعمة الثالثة جاءت في قوله - تعالى -: ﴿الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ﴾ أي: الشمس والقمر يجريان بحساب دقيق في مداريهما وبروجهما ومنازلهما، فتختلف بذلك الفصول والأوقات، وتُعلَم السنون، والشهور، والأيام، والليالى، وتنتظم بذلك أمور أهل الأرض.
ويرى علماءُ الفلك أن القمر يدور حول الأرض، وأن الأرض تدور حول الشمس، وأن الشمس تدور حول شيءٍ لم يعلم حتى الآن.
والنعمة الرابعة جاءت في قوله - تعالى -: ﴿وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ﴾ والمراد بالنجم: النبات الذي ينجم ويظهر فوق الأرض، وليس له ساق كالبقول، والمراد بالشجر: ماله ساق تحمله كالنخل والتفاح ونحوهما، والمراد بسجودهما: خضوعهما لله - تعالى - فيما أراده منهما تكوينا وإثمارا، ويعزى هذا الرأى إلى ابن عباس وابن جبير وأبى رُزين.
وقال مجاهد وقتادة: النجم: نجم السماء، وسجود مع الشجر خضوعهما لأمر الله - تعالى - وإرادته فيما أراد منهما.
والرأى الأول أحسن وأحرى بالقبول، فإن ذكر النجم مع الشجر يستدعى أن يكون النجم من النبات، وهو الأجدر ببلاغة القرآن (٢).
(٢) واعلم أن لفظ "الرحمن" مبتدأ، والجمل التي بعده أخباره، ويقدر ضمير في كل من (الشمس والقمر بحسبان. والنجم والشجر يسجدان) ليرتبطا بالمبتدأ، والتقدير: الشمس والقمر يجريان بحسبانه، والنجم والشجر يسجدان له.