والمراد من وضع الميزان: شرع العدل في الأمر كله، والعدل هنا: هو تقويم الأُمور وجعلها متلائمة متعادلة لا إفراط فيها ولا تفريط، لا تفاوت يُخل بها ويفسدها، وهو بهذا المعنى يشمل خلق السموات والأرض وغيره، وفي هذا المعنى يقول - ﷺ -: "بالعدل قامت السموات والأرض" (١) فأنت ترى السموات متلائمة في تكوينها لا عيب فيها، وفي ذلك يقول الله - سبحانه -: ﴿الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ﴾ (٢) أي: هل ترى في خلقها من شقوق وعيوب تخل بها؟
ويقول الآلوسي في تفسيرها: أي: شرع العدل وأمر به، بأَن وفر على كلِّ مُستَعِدٍّ مُستَحقَّه، ووفَّى كل ذي حق حقه، حتى اننظم أمر العالم واستقام، ثم قال:
فالمراد عدل الله - عَزَّ وَجَلَّ - وإعطاؤه - سبحانه - كل شيءٍ خلقه. ثم قال: هذا المعنى مروى عن مجاهد والطبرى والأكثرين.
وقال الحسن بن الفضل: معناه وشرع القرآن، لأن فيه بيان ما يحتاج إليه، وعن ابن عباس والحسن وقتادة والضحاك أن المراد بالميزان: ما يعرف به مقادير الأشياء، من الآلة المعروفة والمكيال المعروف ونحوهما، فمعنى ﴿وَوَضَعَ الْمِيزَانَ﴾: خلقه مخفوضًا على الأرض، حيث علق به أحكام عباده وقضاياهم المنزلة من السماء، وما تعبدهم به من التسوية والتعديل في أخذهم وعطائهم.
ونرى أن المعنى الأَول هو المناسب، حتى لا يتكرر مع قوله - تعالى -: ﴿وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ﴾ كما أنه هو المناسب لما قبله من رفع السماء، أما ميزان الناس فلا يناسب ما قبله، والفجوة واسعة بينهما.

(١) انظر تفسير روح المعانى للآلوسى، ج ٩ ص ١٠١ تفسير قوله تعالى: ﴿وَوَضَعَ الْمِيزَانَ﴾ فقد ورد الحديث بلفظه.
(٢) سورة الملك الآية: ٣.


الصفحة التالية
Icon