ذنوبًا ويفرج كروبًا، ويرفع أقوامًا ويخفض آخرين، ويجيب دعاء بعض الداعين، ولا يجيبه لآخرين، ويعز ويذل، ويرزق ويمنع، إلى غير ذلك من شئون الكون.
وقال الكلبي: شأنه سوق المقادير إلى المواقيت، وروى أن عبد الله بن طاهر، دعا الحسين بن الفضل وقال له: أشكلت على ثلاث آيات دعوتك لتكشفها لي، قوله تعالى: ﴿فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ﴾ وقد صح أن الندم توبة، وقوله: ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾، وقد صح أن القلم جف بما هو كائن إلى يوم القيامة، وقوله: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ فما بال الأضعاف؟ فقال الحسين: يجوز أن لا يكون الندم توبة في تلك الأُمة، ويكون توبة في هذه الأُمة؛ لأن الله - تعالى - خص هذه الأُمة بخصائص لم تشاركهم فيها الأمم، وقيل: إن ندم قابيل لم يكن على قتل هابيل، ولكن على حمله، وأما قوله: ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ﴾ فإنها شئون يبديها ولا يبتديها (١)، وأما قوله: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ فمعناه: ليس له إلاَّ ما سعى عدلًا، ولي أن أجزيه بواحدة ألفا فضلًا، فقام عبد الله وقبل رأسه وسوَّغ خراجه، أي: أَمر بعطائه والإنعام عليه.
وبعد هذا نقول: إن تلك الأراء ما هي إلاَّ نماذج من شئونه - تعالى - وشئونه لا تحصى والمعنى الإجمالي للآيتين: يسأل الله أهل السموات وأهل الأرض عن حاجاتهم وضروراتهم؛ لأنه هو الذي خلقهم، وهو الذي يجيب مسألتهم، كل وقت هو - سبحانه - في شئون كثيرة لا تحصى من شئون ملكوته، ومن جملتها سماع أسئلة عباده والبت في أسئلتهم، إيجابًا أو سلبًا، فالله - سبحانه - لا يغفل عن ملكوته طرفة عين، فلهذا لا ترى نقصًا في سمواته وأرضه، فهو ﴿الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ (٣) ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ﴾ (٢)، فبأى نعمة من نعم ربكما تكذبان أيها الثقلان، وهو الذي تسألونه فيحقق أسئلتكم.

(١) أي شئون مما كتبه الله - تعالى -، يظهرها في الحين الذي قدر ظهورها فيه، ولا يبتدئ إرادتها والعلم بها.
(٢) سورة الملك الآيتان: ٣ و ٤.


الصفحة التالية
Icon