سائر أحوالهم - سيفرغ من ذلك كله - إلى شأن واحد هو جزاؤهم يوم القيامة على أعمالهم في الدنيا.
ويجوز أَن يكون المعنى: سنفرغ من شئون الدنيا كلها - ومنها شئون الثقلين فيها - إلى جزائهم في الآخرة فإنه - سبحانه - سيبدل الأرض غير الأرض والسماوات، وتبرز الخلائق وتظهر بالبعث والحشر بعد موتهم وفنائهم، أي: سيحيون لجزائهم منه - تعالى -.
ومعلوم من الدين بالضرورة أنه - تعالى - وقد انتهي من شئون الدنيا - فإنه معنى بشئون الآخرة - وما أكثرها - فليس شأنه في الآخرة مقصورًا على جزاء الثقلين، فلهذا تعتبر الآية من قبيل الوعيد للإنس والجن بأنه - تعالى - سيعاقبهم إن كفروا وعصوا ربهم، وبهذا المعنى قال ابن عباس - رضي الله عنهما -.
وقيل: إنَّ فرغ قد تكون بمعني قصد، وهو المراد هنا، ونقل هذا عن الخليل والكسائى والفراء، وعلى هذا يكون المراد حينئذ: تعلق الإرادة بجزائهم تعلقًا تنجيزيًّا.
وقد عبر الله عن الإنس والجن بالثقلين لعظم شأنهما، ولذا يقال: العظيم القَدْر ثَقَلٌ، ومنه قوله - ﷺ -: "إني تارك فيكم الثقلين - كتاب الله وعِتْرتى" (١)، وقيل: لأنهما مثقلان بالتكاليف.
والمعنى الإجمالي للآيتين: سنقصد تنجيز عقابكم يوم القيامة، ونريد تحقيق ما أردناه لكما أزلًا أيها الثقلان إن لم تؤمنوا، فبأي نعمة من نعمى التي من جملتها التشبيه علي ما ستلقونه يوم القيامة، لعلكم تتقونه بإيمانكم - فبأي نعمة منها - تكذبان.
٣٣ - ٣٤ - ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ (٣٣) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾:

(١) انظر: مسند الإِمام أحمد ج ٣ ص ١٤، والطبرانى ج ٥ ص ١٩٠ حديث، ٤٩٨٠ الحاكم ج ٣ ص ١٤٨.


الصفحة التالية
Icon