الكواكب، فقال: وددت أني كنت خَضِرًا من هذه الخضر، تأتى عليَّ بهيمة فتأكلنى وأنى لم أُخلق، فنزلت: ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ﴾ وهي وإن نزلت بسبب خوف أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - فالعبرة بعموم اللفظ لكل خائف، لا بخصوص السبب.
ومقام مصدر ميمى معناه: قيام، وهو مضاف إلى الفاعل، أي: ولمن خاف قيام ربه وهيمنته عليه يوم القيامة، وذلك هو المقصود من قوله تعالى: ﴿أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ﴾ (١) وهذا المعنى مروى عن مجاهد وقتادة، أو هو اسم مكان، والمراد به: مكان وقوف الخلق وقيامهم عند ربهم يوم القيامة للحساب والجزاء، وإضافته للرب لأنه لا سلطان فيه لغيره - جلَّ وعلَا - وهذا المعنى موافق للمراد من قوله تعالى: ﴿يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ (٢) أي: يوم وقوف الناس وقيامهم في أَماكنهم منتظرين قضاء رب العالمين.
والجنتان لكل واحد من المتقين، إحداهما منزله ومحل زيارة أجابه، والأُخرى منزل أزواجه وخدمه، كما يفعله الرؤساء والمترفون في الدنيا، وإلى هذا ذهب الجبائى، وقيل: بستانان، أحدهما: داخل قصره والآخر: خارجه.
والخوف من الله - تعالى - هو خوف من حسابه وعقابه على فعل المعاصي وترك الطاعات، فيحمله هذا الخوف على تقوى الله - تعالى - وقال مجاهد: هو الرجل يريد الذنب فيذكر الله - تعالى - فيدع الذنب، وما قاله مجاهد مثال لباعث من بواعث الخوف من الله تعالى، فالخوف من الله - تعالى - أوسع من ذلك، فمن أطاع الله وترك المعاصي يعد خائفًا منه - جلَّ وعلَا - سواءٌ حملته النفس على معصيته فكف عنها خوفًا منه تعالى، أو لم تحمله، ولكنه دأب على طاعته وترك معصيته، خوفًا منه، حتى أصبح ذلك خلقا له.
وقد وصفت الجنتان بأنهما ذواتا أفنان، وما بينهما جملة اعتراضية للتنبيه على أن التكذيب بالموصوف أو بالصفة موجب للإنكار والتوبيخ، وأفنان إمّا جمع فَنٍّ بعض النوع،

(١) سورة الرعد من الآية: ٣٣.
(٢) سورة المطففين الآية: ٦.


الصفحة التالية
Icon