﴿لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا﴾ أي: نحن أنبتنا ما تحرثون بلطفنا ورحمتنا وأبقيناه لكم رحمة بكم. ﴿لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَامًا﴾ أي: هشيمًا متكسرًا متفتتا لشدة يبسه من بعد ما أنبتناه قبل استوائه واستحصاده فظللتم بسبب ذلك ﴿تَفَكَّهُونَ﴾ أي: تتعجّبون من سوء حاله إثر مشاهدتكم له على أحسن حال - روى ذلك عن ابن عباس - وقال الحسن: تندمون على ما تعبتم فيه وأنفقتم عليه من غير حصول نفع ودليله قوله - تعالى: ﴿فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَا أَنْفَقَ فِيهَا﴾ (١) أو تندمون على ما اقترفتم لأجله من المعاصي، وقال عكرمة: تتلاومون على ما فعلتم - وأصل التفكّه: التَّنقل بصنوف الفاكهة، استعير للتّنقل بألوان الحديث، وهو هنا ما يكون بعد هلاك الزرع وقد كنى به في الآية عن التعجب أو الندم أو التلاوم كما سبق.
﴿إِنَّا لَمُغْرَمُونَ﴾ أي: لظلتم تفكهون في المقالة وتنوعون كلامكم فيها فتقولون تارة إنا لمغرمون أي معذبون أو مهلكون بهلاك رزقنا من الغرام وهو الهلاك، أو لملزمون الغرم بعد جهدنا فيه.
﴿بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ﴾ ويقولون تارة أخرى: بل نحن محرومون. أي: سيئو الحظ محدودون لا مجدودون، أو محرومون من الرزق بالكلية، كأنهم لما قالوا: إنا لمعذبون لملزمون الغرم بعد بذل الجهد أضربوا عن ذلك وقالوا: بل هذا أمر قدر علينا لنحس طالعنا وعدم حظنا، أو بل نحن محرومون الرزق بالكلية. وعن أنس أن النبي - ﷺ - مرّ بأرض الأنصار فقال: "ما يمنعكم من الحرث؟ " قالوا: الجدوبة، فقال: لا تفعلوا فإن الله - تعالى - يقول: أنا الزّارع إن شئت زرعت بالماء وإن شئت زرعت بالريح وإن شئت زرعت بالبذر ثم تلا ﴿أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ* أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ﴾ (٢).

(١) سورة الكهف من الآية: ٤٢.
(٢) انظر تفسير القرطبي ج ١٧ ص٢٢٠ تفسير قوله - تعالى -: ﴿بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ﴾ فقد ورد الحديث بلفظه.


الصفحة التالية
Icon