ولذلك قال الله - تعالى -: ﴿أُولَئِكَ﴾ إلى تدل على الجمع نعم هو أكمل من سواه فإنه أنفق قبل الهجرة وقبل الفتح جميع ماله وبذل نفسه مع رسول الله - ﷺ - لذا قال - ﷺ - "ليس أحدٌ أمَنَّ عليَّ بصحبته من أبي بكر" - فرضي الله عنه وأرضاه -.
١١ - ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ﴾:
هذا استفهام أُريد به الحث والندب إلى الإنفاق في سبيل الله، والقرض الحسن: هو البذل بإخلاص، وتحرى أكرم المال، وأفضل الجهات، وفي التعبير بالقرض ما يشعر بأنه عائد إلى صاحبه؛ لأنه أخرج لاسترداد البدل، أي: من ذا الذي ينفق في سبيل الله حتى يبدله الله بالأضعاف الكثيرة ما بين السبعمائة إلى ما شاء الله من الأضعاف وله مع هذا أجر عظيم وجزاء جميل، حقيق أن يتنافس فيه المتنافسون؛ لأنه مع زيادة مقداره هو - أيضًا - رفيع في منزلته وهو الجنة.
وعن عبد الله، بن مسعود قال: لما نزلت هذه الآية قال أبو الدحداح الأنصارى: يا رسول الله، وإن الله ليريد منا القرض؟ قال: نعم يا أبا الدحداح؟ قال: أرني يدك يا رسول الله، قال: فناوله يده، قال: فإني أقرضت، رب هذا الحائط، وله حائط (بستان) فيه ستمائة نخلة وأم الدحداح فيه وعيالها قال: فجاء أبو الدحداح فناداها يا أم الدحداح قالت: لبيك قال: اخرجى فقد أقرضته ربي - عز وجل - وفي رواية قالت له: ربح بيعك يا أبا الدحداح ونقلت منه متاعها وصبيانها، وأن رسول الله - ﷺ - قال: (كم من عِذْق رَدَاح (١) في الجنة لأبي الدحداح) وفي لفظ (رُبَّ نخلةٍ مدلاةٍ عروقها من دُرٍّ وياقوت لأبي الدحداح في الجنة (٢).

(١) العذق: هو من التمر كالعنقود من العنب، الرداح: المثقل بثمره.
(٢) انظر مسند الإِمام أحمد ج ٣ ص ١٤٦ فقد ورد الحديث بنحوه.


الصفحة التالية
Icon