حدثنا عما في التوراة فإن فيها العجائب فنزلت: ﴿الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ﴾ (١). إلى قوله - تعالى -: ﴿لَمِنَ الْغَافِلِينَ﴾. فخبّر أَن القرآن أحسن القصص، وأنفع لهم من غيره، فكفوا عن سؤال سلمان ما شاء الله، ثم عادوا فسألوه عن مثل ذلك فنزلت آية: ﴿اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ.... ﴾ (٢)، فكفوا عن سؤال سلمان ما شاءَ الله. ثم عادوا فسأَلوا سلمان فنزلت هذه الآية ﴿أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا... ﴾ عن الكلبي ومقاتل. قال الآلوسي - بعد ما ساق هذه الرواية: ليس بشىء.
وسواء كان نزولها في المنافقين أَو في بعض المؤمنين المتخاذلين المتكاسلين، فإنها استنهاض للهمم في جانب العبادة، وإيقاظ للفتور والتكاسل عن الطاعة، وتنبيه إلى استدامة المواظبة عليها والنهوض لها، والالتزام بها في كل الأوقات والأحوال، فلا يتكاسل عنها إلا منافق، ولا يفتر عن أَدائها إلا مذبذب ضعيف الإيمان، ضال عن سبيل الله، ﴿وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلًا﴾ (٣).
والمعنى: ألم يجىء الوقت، ويحن الحين للذين آمنوا أَن يتمكن الِإيمان في نفوسهم، ويخالط شغاف قلوبهم فتلين من جمودها وترق من قسوتها وغلظها، وتتحرر من جاهليتها وجهلها فتخشع لذكره - تعالى - وتخافه وتطمئن به، وتسارع إلى طاعته بالامتثال لأوامره، والانتهاء عما نهى عنه من غير توان ولا فتور، وتخشع لما نزل من القرآن الكريم، هو الحق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فالمراد بما نزل من الحق هو القرآن الكريم المشتمل على ذكر الله - أيضًا - ووجه عطفه على ذكر الله أنه جامع للأمرين الذكر والموعظة، وأنه حق نازل من السماء، ويصح أن يراد من الخشوع لذكر الله الوجل والخوف والانقياد التام وبما نزل من الحق زيادة الإيمان عند سماع القرآن الكريم - كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا﴾ (٤).
(٢) سورة الزمر من الآية: ٢٣.
(٣) سورة النساء من الآية: ٨٨.
(٤) سورة الأنفال من الآية: ٢.